نادراً ما كنا نسمع كلمة احترام عندما كنا صغاراً، فمرادفها في اللهجة العامية التي أحاطتنا بعنايتها كانت كلمة «حشمة» و«محتشم» و«حشيم»، وكانوا يترفعون بنا عن «خمام السوق»، فيقولون من أمثلتهم المحفورة في ذاكرتنا ولا ننساها «حد احشمه وحد احشم عمرك عنه»، وعندما يزيد الماء على الطحين يقولون «وش على السحاب من نبح الكلاب»، ومن هذه الأمثلة تعلمنا عمق الثقافة الإماراتية التي تعزز عناصر الذكاء الاجتماعي والحسي في أبنائها، فيتناقلون الحكمة والنصيحة بوجدانٍ وعزيمة ليمارسوا معارف آبائهم وأجدادهم في تعاملاتهم الإنسانية، التي لم تغفل عن احتواء الآخر ونشر التسامح والسلام. 
كلمة حشم هذه لها أبعاد سحيقة في اللغة العربية الفصحى، إذ يقول ابن منظور في لسان العرب «حشم: الْحِشْمَةُ: الْحَيَاءُ وَالِانْقِبَاضُ، وَقَدِ احْتَشَمَ عَنْهُ وَمِنْهُ، وَلَا يُقَالُ احْتَشَمَهُ. قَاْلَ اللَّيْثُ: الْحِشْمَةُ الِانْقِبَاضُ عَنْ أَخِيكَ فِي الْمَطْعَمِ وَطَلَبِ الْحَاجَةِ; تَقُولُ: احْتَشَمْتُ، وَمَا الَّذِي أَحْشَمَكَ، وَيُقَالُ حَشَمَكَ، فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: وَلَمْ يَحْتَشِمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَذَفَ مِنْ وَأَوْصَلَ الْفِعْلَ. وَالْحِشْمَةُ وَالْحُشْمَةُ: أَنْ يَجْلِسَ إِلَيْكَ الرَّجُلُ فَتُؤْذِيَهُ وَتُسْمِعَهُ مَا يَكْرَهُ». نعم، الرمسة الإماراتية تحتوي على موروثٍ عريق وهو دليل قاطع على أصالة أمتنا وجذورها في الحضارة العربية.
وبذكاء وإبداع ربطت الثقافة الإماراتية الاحترام بالشكل والمضمون، فالحشمة هي الوقار والستر دليل ذلك وبيت القصيد والأبيات التي كتبها شاعر الحكمة المغفور له سعيد بن هلال الظاهري «تِغْزَر عيوني في المغطّاي. وتعاف شيّ دوم مكشوف»، وها قد أصبحت أبياته جزءاً لا يتجزأ من حواراتنا وأمثلتنا اليومية حتى صرت أتساءل عن غياب آداب الجمال التي تحتم علينا احترام أنفسنا لا سيما في مقار أعمالنا فنحشم عمارنا شكلاً ومضموناً حتى وإن كان ذلك من منطلق المثل الإنجليزي القائل «كلما كانت المرأة أكثر إشراقاً، زادت سرعة احتراقها»!
للعارفين أقول، يقولون إن الاحترام سيد جميع العلاقات، ونقول إن الحشمة والمحتشم «قانون السلم» بين أفراد المجتمع وأبناء القبائل جميل فهو باقٍ من جيلٍ إلى جيل تجاوز مرحلة السنة والسالفة، وفي عهد الشيخ زايد «طيب الله ثراه» ونهج أبنائه الكرام ما زالت الحشمة تزدهر وتزداد سمواً كل يوم.. حفظ الله الإمارات وقيادتها الرشيدة مهد الجمال ونبراس الإنسانية.