تعافت أسعار النفط في الآونة الأخيرة بصورة سريعة ليتجاوز سعر برميل النفط 57 دولاراً للبرميل، وهو ما كانت تسعى إليه دول «أوبك+» منذ تدهور الأسعار قبل عام تقريباً، حيث ساهمت العديد من العوامل في حدوث هذه القفزة في الأسعار، والتي يتوقع أن تستمر في الأشهر القادمة، حيث يتوقع بنك «يو بي أس» السويسري ارتفاع الأسعار عند منتصف العام إلى 63 دولاراً للبرميل، إذ يملك مثل هذا التوقع مبررات مقنعة، كارتفاع الطلب مع حلول الفصل الثالث من العام. كما توقع بنك الاستثمار «غولدمن سكس» أن ترتفع الأسعار إلى 65 دولاراً مع حلول صيف 2021.

أما مبررات الارتفاعات الحالية المتتالية، فإنه يمكن إيجازها في الآتي: فأولاً هناك تفاؤل خاص بارتفاع الطلب على النفط بعد سرعة تعميم مختلف اللقاحات الخاصة بفيروس «كوفيد- 19»، والتي ستؤدي إلى إنهاء إغلاق القطاعات الاقتصادية وعودة الأنشطة بصورة تدريجية، فبريطانيا على سبيل المثال أعلنت أن الإغلاق الحالي سيكون آخر الإغلاقات. وثانياً فإن تأكيد فوز بايدن بعد قرار الكونجرس الأميركي ساهم في ارتفاع الأسعار، نظراً للسياسات التي يعتزم الرئيس الأميركي الجديد اتخاذها بشأن الطاقة والتي أشرنا إليها في مقالة الشهر الماضي. أما العامل الثالث فيتعلق بتجديد التزام الدول الأعضاء في «أوبك+» بسقف الإنتاج المتفق عليه مع زيادة طفيفة في إنتاج كل من روسيا وكازاخستان بمقدار 75 ألف برميل يومياً، كما أن قرار المملكة العربية السعودية إجراء تخفيض إضافي طوعي بمقدار مليون برميل يومياً ساهم بصورة كبيرة في ارتفاع الأسعار إلى هذه المستويات في فترة زمنية وجيزة.
وعلاوة على ذلك، ونتيجة لانخفاض إنتاج النفط الأميركي بمقدار 450 ألف برميل يومياً، فقد انخفضت الاحتياطيات أيضاً، وهو ما أكدته وكالة الطاقة الدولية عندما أشارت في تقريرها الدوري في شهر ديسمبر الماضي إلى حدوث عجز في مخزونات النفط العالمية، متوقِّعةً أن يزداد هذا العجز بحلول شهر يوليو القادم، ما قد يؤدي إلى المزيد من الارتفاع في الأسعار، كما تشير التوقعات التي ذكرناها آنفاً.
وبالتأكيد، هناك بعض التوقعات الخاصة بتخفيف العقوبات على صادرات النفط الإيرانية من قبل الرئيس الأميركي المنتخب، إلا أن ذلك سيستغرق بعض الوقت، سواء فيما يتعلق بتخفيف العقوبات أو بإعادة تأهيل قطاع النفط الإيراني نفسه، كما أن ذلك سيتزامن مع ارتفاع الطلب بصورة أسرع من المتوقع في الربع الثالث، وهو ما سيؤدي إلى استيعاب الأسواق للنفط الإيراني العائد، وذلك على الرغم من أن هناك عقبات أخرى تتعلق بتسديد قيمة مبيعات النفط الإيرانية بسبب العقوبات المالية المفروضة على إيران، وهو ما قد يشكل عائقاً آخر أمام التدفق السريع لصادرات النفط الإيرانية.
ونظراً لمجمل هذه التطورات والتوقعات، فإن انعكاساتها على اقتصادات البلدان المنتجة للنفط ستكون إيجابية جداً، فوزير النفط الروسي الكسندر نوفاك يرى أن معدل أسعار يتراوح بين 45 و55 دولاراً للبرميل مناسب جداً لبلده، وربما هذا المعدل مناسب للبلدان الأخرى بشكل عام. إلا أن التوقعات التي تشير إلى تجاوز هذا المعدل سوف تؤدي إلى حدوث انفراجة كبيرة في الأوضاع المالية، وبالأخص الخليجية بعد معاناة خلال أكثر من عام. وسيتيح ذلك انخفاضاً في عجوزات الموازنات السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً وان معظم هذه الموازنات وضعت على أساس سعر متحفظ لبرميل النفط يبلغ 45 دولاراً. كما يتوقع أن تشجع هذه التطورات على زيادة الإنفاق، بما في ذلك إعادة النظر في العمل ببعض المشاريع التي جُمِّدت بسبب الأزمة وإلغاء بعض الإجراءات التقشفية، ما يعني إمكانية عودة الانتعاش للاقتصادات الخليجية بقطاعاتها كافة، إلا أن ذلك لا يعني ضرورة التقليل من أهمية التوجهات التي اتخذت لتنويع مصادر الدخل، بل من الضرورة بمكان أن تشكل هذه التطورات النفطية دافعاً إضافياً قوياً لاستغلال هذه الفرصة الجديدة، والسير بخطوات أسرع لإنجاز هذا الهدف الاستراتيجي الحيوي لمستقبل الاقتصادات الخليجية واستقرارها