الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: «واتساب» ليس المشكلة!

د. شريف عرفة يكتب: «واتساب» ليس المشكلة!
15 يناير 2021 00:09

أعادت سياسات تطبيق «واتساب» الجديدة الحديث عن حدود خصوصية مستخدمي تطبيقات الهاتف.. إلا أن هناك ما هو أخطر من مجرد تسريب البيانات والصور.. فلا أحد يناقش حقيقة أن هذه الشركات تمتلك صلاحيات تمكنها من التأثير على صحتك النفسية والتلاعب بمستوى سعادتك، دون رقابة واضحة تمنعها من ذلك.
دعني أقول لك كيف.
عادةً ما يرصد العلماء مستويات سعادة ورضا الشعوب عن طريق استطلاعات الرأي.. لا بهدف ترتيب الدول في مؤشر السعادة كما يظن البعض، بل لأن هذا ضروري للباحثين والساسة وصناع القرار.. وليس أدل على ذلك إلا استطلاعات «معهد جالوب» التي توضح أن ارتفاع إجمالي الناتج المحلي - وهو المؤشر الذي يعتبره اقتصاديون مؤشراً للرفاه - لا يعني بالضرورة زيادة السعادة، إذ ينبغي قياسها بشكل مستقل، باعتبارها مؤشرا على استقرار المجتمع وجودة حياة أفراده، ما يعني أن المؤشرات النفسية ضرورية ينبغي وضعها في الاعتبار.. لكن مشكلة هذه الاستطلاعات، هي أنها مكلفة وغير دقيقة، لأن الناس قد يخفون الحقيقة خوفاً أو حرجاً.. لذا لجأ العلماء لوسيلة أخرى لرصد السعادة هي التحليل اللغوي لكلمات البحث المستخدمة على الإنترنت «مثل جوجل تريندز وآدووردز» أو تحليل أكثر الكلمات تكراراً في السوشيال ميديا «مثل مشروع WWBP بجامعة بنسلفانيا»، وهو ما أعطى مؤشراً ضبابياً جديداً لاهتمامات الناس التي تعبر عن مستوى سعادتهم.. إلى أن أتى فيسبوك بشيء غير مسبوق يقلب المعادلة.. أضاف الموقع إمكانية اختيار الشعور الذي ينتابك تجاه المنشورات التي تصادفك.. وسيلة فعالة لمعرفة المشاعر السائدة في أي بلد في نفس لحظة حدوثها.. وهي بيانات لم تكن متاحة لأحد على مر التاريخ..  كما يستطيع هاتفك معرفة مستوى سعادتك حتى إن لم تستخدم وسائل التواصل.. بل والتنبؤ بها في المستقبل! فعلى عكس المقاييس النفسية التي يستخدمها المعالجون النفسيون، يستطيع الهاتف تقييمك نفسياً بمجرد تحليل نشاطك العادي على الشاشة دون أن تدري «كسرعة الكتابة ومدة ضغط المفاتيح واختيار الكلمات وتوقيت الولوج وفترات الاستخدام... إلخ»، وهو ما تقوم به تطبيقات متاحة بالفعل، مثل «مايندسترونج» أو «تايب أوف مود» اللذان يستطيعان التنبؤ بإصابة المستخدم بالاكتئاب في المستقبل قبل حدوثه!  لا يستطيع الطبيب النفسي التنبؤ بإصابتك بالاكتئاب في العام القادم.. لكن هاتفك يعرف عنك أكثر مما تعرفه أنت عن نفسك!
وببعض التشاؤم الجميل الذي أتمتع به دائماً، أؤكد لك أن هناك استخدامات مخيفة لهذا الأمر.. حيث يمكن لمواقع التواصل التلاعب بالحالة النفسية للمستخدمين في أي بلد، عن طريق إبراز المنشورات التي تعطي تفاعلاً غاضباً أكثر من غيرها لإثارة حالة من الاستياء.. أو إبراز المنشورات الضاحكة والمدهشة التي تظهر تفاعلاً إيجابياً، لإضفاء البهجة على حياة المستخدمين في البلد الصديق.. ليس هذا أمراً مستبعداً، إذا ما نظرنا لتفضيل هذه المنصة منشورات دون غيرها، وتشجيعها لحسابات دون غيرها، وللدور التحريري الذي تلعبه بالفعل، كالحذف والحظر بسبب تعليق ساخر تراه لوغاريتمات الفيسبوك العجماء منافياً لسياساته «وهناك أمثلة مضحكة كثيرة لذلك»..  هل تثق حقا في حرص هذه المنصات على صحتك النفسية؟
خلاصة القول، كي لا يكون المقال سلبياً في صفحة تدعو للسعادة: 
لا تصدق كلام اتباع نظرية المؤامرة عن الشريحة التي يراد غرسها تحت جلود البشر لتوجيههم والتحكم فيهم.. فهذه خرافة مستبعدة.. لأن هاتفك المحمول أقرب لحياتك من أي شريحة!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©