أربع سنوات شهدت ما شهدت من حملات إعلامية كاد الناس يظنون أنها حرب «عقائدية» أو «مذهبية» أو حتى اجتماعية. في الوقت الذي لم تكن سوى حرب سياسية، قائمة على أسباب وظواهر تتصل أولاً وأخيراً بمجريات الأمور في الخليج ومحيطه. لكن الانفراجة التي حملتها قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الحادية والأربعين في العلا بالمملكة العربية السعودية لم تقتصر على دول مجلس التعاون الخليجي فقط، بل قد تمثل مروحةً واسعةً ترمم ملامح نظام عربي آخر يشكل وجوده ضرورةً لمواجهة التحديات الراهنة؛ من الخطر الإيراني إلى التركي إلى ما سواهما.
لقد ضمّت قمة العلا قادة وممثلي دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مصر والجامعة العربية، وجاريد كوشنر مستشار الرئيس ترامب ومبعوثه الخاص للشرق الأوسط. لقد كان الحضور كاملاً وفاعلاً، وبدا أنه درَسَ معظم ملفات الخلاف، وكذلك ملفات اللقاء وملفات المشاريع المستقبلية، امتداداً لإطار عربي ودولي أوسع.. وهذا ما اتضح من البيان الختامي الذي وقّعه كل الحاضرين في القمة، والذي من بنوده تأسيس مرحلة جديدة نحو غد مشرق للمنطقة (ليس فقط الخليج)، ويترجم هذا «الحلم» العمل صفاً واحداً لمواجهة التحديات في لحمة متينة. وقد تم التشديد على مواجهة المخاطر التي تحيط بالمنطقة، خاصة التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي الإيراني، وبرنامجها للصواريخ البالستية، أو المشروعات التخريبية الهدّامة التي يتبناها وكلاء إيران، من أنشطة إرهابية وطائفية هدفها زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. والتركيز على هذه النقطة يعني، فيما يعني، كل دول مجلس التعاون ومعها جميع الدول العربية التي يتعين عليها أن تشارك مع شقيقاتها الموقف ذاته، والخط ذاته، شعوراً منها بأن ما قد يصيب دول الخليج من هذا العدو أو ذاك، سيصيبها هي أيضاً عاجلاً أم آجلاً، وأنه إذا استُضعفت هذه الدول فكل مكونات مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي برمته سيُستضعف أيضاً. ونظن أن البعض ممن رهنوا مستقبلهم بالعلاقة مع إيران وتركيا، أدركوا الآن خطورة ذلك الرهان، وأن ذلك المحور لن يوفرهم في النهاية إذا ما تمكن من تنفيذ مشاريعه السلطانية والطائفية. هذا هو لب المسألة.
أما الجانب المضيء الآخر، فهو أن قمة العلا عُقدت أيضاً تحت قبة «العروبة» لاستنهاضها وشحنها بنبضٍ جديد، لأنها الخيمة التي تضم الجميع، يرفدها إسلام معتدل، تنويري، سلمي، متسامح، لكن أيضاً مدافع عن القيم التاريخية، والحدود، والسيادة والمصالح المشتركة والمستقبل المفتوح.. والدليل أن هذه القمة جاءت في وقت تدق فيه إيران طبول الحرب، وتبعث برسائل الوعيد والتهديد لدول الخليج والعراق واليمن ولبنان.. للضغط على الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، بغية فرض شروطها من خلال أوراقٍ عربية وغير عربية.
إنها اللحظة التاريخية المناسبة عربياً للانطلاق نحو مواجهة كل المخاطر المحتملة حزمةً واحدةً. إذا اجتمع العرب على موقف وطني محدد، فلن يكون سهلاً اختراقه، لا من تركيا ولا من إيران. كل تشرذم ينبئ بهزيمة، وكل تفكك يؤدي إلى استقواء الأعداء على العرب، وضرب وحدتهم ومصالحهم بل ووجودهم!
علينا أن نتفاءل باتفاق مدروس ومتفق على كل ملفاته. فالشيطان لا يكمن في التفاصيل فقط.. بل في العموميات أيضاً!