أميركا تتوسط العالمين، بقوة اقتصادية وعسكرية جبارة، الأمر الذي يجعل استقرارها اقتصادياً، وسياسياً، وعلاقتها بالعالم، مثل العلاقة ما بين العاصفة والشجرة، فلن تنمو شجرة العالم وتزهو بالترعرع، إلا عندما تكون أميركا هادئة، مستديمة في انبعاثها الحراري حتى يشعر العالم بالدفء، وزوال الخطر الذي قد يداهمه من أي جهة كانت.
عندما تسير العربة السياسية الأميركية بشكل واثق، ورزين، يتحاشى العالم الوقوع في هاوية الحروب، وتشققات العلاقة فيما بين الدول.
عندما تكون أميركا حازمة في القضايا الدولية الأساسية، تتحرى الدول الأخرى الدقة في انغماسها في الخلافات، وكذلك تفكر الجماعات الإرهابية ألف مرة قبل أن تقدم على أي جرم يهدد العالم، ولم يكن ليحدث ما حدث في ناغورني قره باغ، ولم تكن دماء الأبرياء ستسيل على أرصفة الضياع، فقط لمجرد تعنّت سياسي حول قضية كان يمكن حلها بالعقل وليس بالعواطف، لو كانت أميركا حاضرة في المشهد بقوة، كما كانت تفعل ذلك في مراحل سابقة من عمر الدور الأميركي في المشاهد السياسية السابقة.
اليوم، وبفوز بايدن برئاسة أعظم دولة، وحسب تصريحاته الأخيرة، فإن العالم يستبشر خيراً، على الأقل في تهدئة الخواطر، وإزالة الأشواك التي عرقلت الكثير من الأقدام للوصول إلى الضفة الثانية من العلاقات بين الدول.
بايدن يقول «العالم تغير»، هذه العبارة تكفي لأن تلصق على جدار العقل، وأن يعتنى بها، لأنها في الحقيقة سوف تغير ألواناً كثيرة في النهج الأميركي، وسوف تجعل العالم أكثر ثقة بهذه الدولة العظمى، وسوف تتغير مع تغير السياسة الأميركية مشاعر كثيرة في هذا العالم، وسوف تغلق نوافذ كثيرة، سدت رئات العالم، لتغلغل الغبار إلى غرف الناس الأبرياء الذين توسموا خيراً بأميركا كلما داهمتهم كارثة.
اليوم بهذه الأنفاس الأميركية الجديدة، يبدو أن العالم بالفعل قادم نحو مرحلة جديدة، سوف تكبح الكثير من الحماقات، وتوقف الكثير من تفاقم «الأنا» لدى دول ما كانت ستتورم، وتنتفخ أوداجها، لولا تراجع الدور الأميركي في كثير من الأحداث التي طرأت على العالم، وأميركا كانت منشغلة بأمور أخرى، غير أحلام اليقظة لدى بعض الدول الإقليمية.
جون بايدن يقول: «لن ننخرط في حروب غير ضرورية». وهنا بيت القصيد، فأميركا ستكون غير أميركا في العهود السابقة، والأمر يمنحنا القدرة على التفاؤل بعالم جديد أيضاً، وهذا ما نتمناه.