أغلقت بعض مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك» حسابات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأسباب سياسية، ونصّبت نفسها حامية للشعب والمؤسسات، وهي مواقع غير منتخبة ولا تمتلك شرعية سياسية تمنحها حق منع رئيس أقوى دولة في العالم من مخاطبة شعبه، فهو قرار فردي يتعلق بمسألة غاية في الأهمية والخطورة.
مواقع التواصل هي وسائل سياسية بامتياز، هي بكل بساطة واقع يسمونه افتراضياً، وهو بات واقعاً حقيقياً أوسع انتشاراً من الواقع المعيش، وواقع يتبعه المليارات من البشر ويحملونه في جيوبهم وهو أقرب إليهم من كثير من وسائل الإعلام التقليدية، ومع ذلك فهي مواقع لم يتم ضبطها بعد بالأنظمة والقوانين، وهي تكافح حتى لا تمارس أي دولة عليها رقابة أو تضع لها ضوابط، وهي وصفة خطيرة للفوضى.
الغريب في هذا القرار هو أنها تمنع ترامب وتسمح لكل ديكتاتوريي العالم وإرهابييه بممارسة كل أنواع النشر والترويج والدعاية للإرهاب وقتل الناس فهي أصبحت واقعاً تتحرك فيه كل منظمات الجريمة من إرهابٍ ومخدراتٍ وسلاحٍ بكل أريحية وهي تدعي عدم قدرتها على الرقابة وتتجنب المنع والحظر ولكن ليس للرئيس ترامب.
في ظل صراع التيارات داخل أميركا فهذه المواقع تميل إلى اليسار وليس إلى اليمين، إلى «الديموقراطيين» وليس إلى «الجمهوريين» فكيف بأنصار ترامب؟ ومن هنا فهي مواقع منحازة في الأساس وليست محايدة كما يحلو لها الإدعاء، وقد دخلت مع ترامب في مواجهات متواصلة منذ توليه السلطة قبل أربع سنواتٍ، والحقيقة أنها تحت مسمى الخصوصية قدمت الحماية للعديد من الإرهابيين والأصوليين المحرضين على القتل والتخريب ولم تتخل عن مواقفها تلك إلا بصراعات عميقة مع مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية.
بدأت أغلب هذه المواقع باعتبارها وسائل تواصل اجتماعي، وبما أن نشاطات المجتمع لا تقتصر على النشاطات العادية اليومية، بل تشتمل على الثقافة والسياسة والاقتصاد والأمن ونحوها من المسائل بالغة الأهمية والحساسية، فكان طبيعياً أن تنجرف لهذه الموضوعات التي تهم الناس بكل قوةٍ وتسجل تأثيراً بالغاً على الواقع المعيش، ومن هنا يأتي جزء من قوتها وأثرها المحسوس لا الافتراضي.
تحت مسمى «التواصل الاجتماعي» استطاعت خلق عالم من مليارات البشر يمارسون نشاطاتهم اليومية ويتواصلون في شؤونهم من خلالها وصنعت قوة احتياطية لليسار عظيمة الجمهور واسعة الحشد ذات أهداف ربحية واضحة مادياً، وعندما نجحت فيها أضافت لها أهدافاً سياسية للسيطرة على كل ما تستطيع، وعندما حانت الساعة وتهيأت الفرصة دخلت على الواقع المعيش بكل قوةٍ في قراراتٍ سياسيةٍ مؤثرة وفاعلة بشكل لا يصدق.
منع رئيس دولة من مخاطبة شعبه وتوجيه مؤيديه هو عمل من أعمال الأعداء السياسيين والعسكريين، والعودة إلى الطرق الرسمية فقط مع تعوّد الناس على هذه المواقع للتخاطب أمرٌ يضعف الخطاب ويفقد الرسائل قوتها وسعة انتشارها، وهو تحديداً ما جرى مع الرئيس ترامب قبل أيامٍ معدودة من مغادرته البيت الأبيض.
مواقع التواصل هي جزء من المعركة الأميركية الداخلية بين «الجمهوريين» و«الديموقراطيين»، وفي ظل الأجواء المشحونة والانقسام غير المسبوق والهجوم السياسي والإعلامي المكثف ضد الرئيس ترامب وجدت هذه المواقع فرصة تاريخية للتأثير واغتنمتها، فكان لها ما أرادت من الحضور القوي في الواقع والتأثير على حاضر الدولة ومستقبلها.
أخيراً، فالمشكلة هنا ذات حدّين فبمجرد إقرار هذا المبدأ، فالأمثلة قد تتناقض بين اليسار واليمين مستقبلاً، وعندما اجتهدت بعض هذه المواقع لمنع بعض حسابات الديكتاتوريين الإرهابيين، فهي لم تفعل ذلك لهذا السبب بل لسببٍ جانبيٍ صغيرٍ جداً يتعلق بمواجهة كورونا أو نحوه من الأسباب.