مع انطلاق عام 2021، بدأ العدّ التنازلي لوصول مسبار الأمل، الذي انطلق في يوليو 2020، إلى كوكب المريخ، ولم يبقَ سوى شهر واحد يفصلنا عن تحقيق الإمارات إنجازاً آخر من إنجازاتها التاريخية، حيث سيصل المسبار، وكما هو متوقع ومخطَّط له، يوم 9 فبراير المقبل إلى مدار الكوكب الأحمر، بعد أن يكون قد قطع 493 مليون كيلومتر، لتكون الإمارات أول دولة عربية وإسلامية تحقّق هذا الإنجاز. ولهذا، ستكون هذه اللحظة نقطة فارقة ليس فقط في تاريخ دولة الإمارات، ولكن في تاريخ الوطن العربي والمنطقة بأكملها أيضاً. وسيظل المسبار يدور حول المريخ لمدة عام مريخي، أي 687 يوماً، لجمع بيانات كافية عن هذا الكوكب الأحمر الذي تشير الدراسات إلى إمكانية وجود حياة على سطحه، وهذا بالطبع يُبشر بتطورات كثيرة تفتح آفاقاً للجنس البشري، قد تُمكّنهم، مع التطور العلمي الحالي والمتوقع، أن يستعمروا الكوكب ويعيشوا فيه. 
والحقيقة أن إيصال مسبارٍ إلى مدار المرّيخ، وإن كان يمثل نقطة فارقة في حدّ ذاته، إلا أنه ينطوي على دلالات مهمة أيضاً، منها: 
أولاً، أنه يمثل ترجمة لرؤية القيادة الرشيدة، وإيمانها العميق بأهمية العلم والمعرفة، كأساس لتحقيق النهضة، وحرصها على تنويع المعارف، وإتاحة الفرص للشباب الإماراتي للولوج إلى واحد من أهم العلوم التي يُتوقع أن تكون محوراً للتنافس العالمي في المستقبل. ولدى الإمارات كل المقومات التي تمكّنها من تحقيق ذلك، وهي بالطبع تتمتع بسجلّ مهم في مجال السفر إلى الفضاء، حيث سبق وأن أرسلت صاروخين إلى مدار الأرض، وأرسلت أحد روادها إلى محطة الفضاء الدولية، ليكون أول رائد فضاء عربي يحطّ على سطح محطة الفضاء الدولية. 
ثانياً، يعزز مكانة الإمارات العالمية وقوتها الناعمة، التي جعلت منها دولة مؤثرة، بل وحتى رائدة في العديد من المجالات، وعلى مختلف المستويات الإقليمية والدولية. ولهذا، فإن هذا الإنجاز يعزّز من دورها المتصاعد على الساحتَين الإقليمية والعالمية، حيث يُنظر إليها، بشكل متزايد، كنموذج للدول الفاعلة في مجال تحقيق التعاون الدولي والتعايش السلمي بين الأمم. 
ثالثاً، يُظهِر حرص دولة الإمارات على أن يكون للعرب والمسلمين دور أساسي في هذا المجال، ولذا فهي تنظر إلى هذا الإنجاز على أنه لكل العرب والمسلمين، ليس من باب الدعاية، وإنما من باب تأكيد أن العرب والمسلمين، وبما يملكونه من تاريخ ومقومات بشرية ومادية، بل ومعنوية وإيمانية، قادرون على المشاركة، وبل والمساهمة بفاعلية في مسيرة الحضارة الإنسانية. وهذا يُسهم في تبديد الصورة النمطية التي يسعى أعداء الأمة والمتربّصون بها لنشرها، ومن ثم استغلالها. 
أما الدلالة الرابعة، فهي تأكيد حرص الإمارات على خدمة البشرية، والإسهام في مواجهة التحديات التي تواجهها، فالوصول إلى المريخ، ليس من باب الترف العلمي، بل له انعكاسات إيجابية على حياة البشرية، حيث سيكون من مهام هذه الرحلة دراسة الغلاف الجوي للمريخ، ورصد التغيرات التي تحدث هناك والاستفادة منها في حل المشكلات التي تواجهنا على كوكب الأرض. فالمسبار مزود بأجهزة استشعار عن بعد، لقياس المكونات المعقدة للغلاف الجوي للمريخ، من بينها آلة لقياس الغبار والأوزون في الكوكب، وجهاز يقيس الغلاف الجوي العلوي والسفلي، وثالث لقياس مستويات الأكسجين والهيدروجين، وهو ما سيوفر معلومات ستساعد كثيراً في الجهود العالمية لمواجهة التغييرات المناخية وتأثيراتها الخطيرة في مستقبل البشرية على الأرض. ولا شك في أن هذه البعثة ستُحدِث تغييراً كبيراً في مجال الفضاء، الذي سيطرت عليه، بل واحتكرته في السابق بعض القوى العالمية الكبرى.
لذا فإن وصول مسبار الأمل إلى المريخ يمثّل حدثاً بارزاً، ليس فقط بالنسبة إلى دولة الإمارات أو المنطقة، وإنما للعالم العربي والإسلامي أيضاً، ويؤكد قدرة هذه الأمة على الإسهام في مسيرة التطور الهائل الذي يشهده العالم، والذي ما كان له أن يصل إلى ما وصل إليه لولا إسهامات العرب والمسلمين الأوائل.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.