الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

هو و«العسل»

هو و«العسل»
9 يناير 2021 00:28

أحمد عاطف (القاهرة)

منذ أكثر من 75 عاماً بدأ لبناني يدعى حبيب عملاً صغيراً، عبارة عن خلية نحل صغيرة أنتج من خلالها بضع عبوات من العسل، لكنه لم يكن يدرك أن تلك الخلية الصغيرة ستكون بداية لعقود من عمل تتوارثه الأجيال في عائلته.
حمل الأبناء لواء الأب، فورثها الابن الأكبر في البداية، لكنه سرعان ما سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية ليكمل دراسته وحياته بها، ثم جاء الدور على بطل القصة الابن الأوسط موريس حبيب، الذي وقعت على عاتقه مسؤولية الحفاظ على إرث العائلة ومهنتها الفريدة من نوعها.
يقول موريس: إن بداية علاقته الجادة بالنحل كانت في عمر الـ 14 عاماً، عندما صعد الجبل أول مرة ليساعد والده بعد سفر الأخ الأكبر، شعر بالرعب من النحل المتطاير حول رأسه وكأنه أحد مشاهد أفلام الرعب، ثم ما لبث أن أحرق النحل عن دون قصد لإبعاده، فغضب الوالد وكادت مسيرة موريس تنتهي قبل أن تبدأ.

يحكي موريس لـ «الاتحاد الأسبوعي»: «أردت إبعاد النحل عن وجهي، فوضعت بعض القش داخل النار فاحترق النحل، ولكن تعهدت لوالدي بأنني سأساعده وأرث المهنة عنه، ولم أكن لأعود في وعد قطعته على نفسي». ومنذ ذلك اليوم وإلى وقتنا الحالي، قضى أقدم مربي نحل في لبنان أكثر من ثلاثين عاماً من عمره يتنقل ويرتحل رفقة النحل في الوديان، الجبال، الأشجار والغابات، ويواجه كل الصعوبات في عمل استخلاص عسل النحل.
يوضح مُربّي العسل مراحل عمله سنوياً، فيقول: إن في شهر مارس يبدأ موسم السفر إلى جنوب لبنان، حيث تزدهر زهرة الليمون، ومنها يعود محملاً بعسل زهرة الليمون، ثم يرتفع قليلاً إلى الجبال مع اقتراب نهاية فصل الربيع للحصول على عسل زهرة الكينا، وفي فصل الصيف يحصل من النحل على عسل الجردة، وعسل شجرة السنديان، وفي نهاية الموسم ينتقل إلى شجر الأرز، إحدى أشهر علامات لبنان التاريخية.

لحظة حاسمة
تحمّل موريس الكثير في سبيل النحل، فعندما حانت اللحظة الحاسمة ليختار بين عمله مع أبيه، وبين دراسته الجامعية، اختار النحل بكامل إرادته، فلم يكن ليتخلى عن مهنة أبيه، كما أنه وبعد 10 سنوات من الحياة مع النحل عرف أهميته وأقر بدوره في الحياة مربي نحل وليس شخصاً عادياً يذهب إلى وظيفته نهاراً، ويعود ليرتاح على أريكته نهاية اليوم.
خلال جولاته في بلاده ينصح موريس زبائنه بتناول ملعقة عسل كل صباح فور الاستيقاظ من النوم؛ لأنه يحمي من الأمراض، ويقتل البكتيريا الضارة في المعدة، وإذا كانوا من ممارسي الرياضة، فينصحهم بعسل السنديان؛ لأنه يحتوي على الطاقة المناسبة لأسلوب حياتهم.

وريث المهنة
يعتقد موريس أن الله يختار الأشخاص الذين يعملون في مهنة تربية النحل؛ لأن الكثيرين يقررون شراء النحل والبدء في عمل مزرعتهم الخاصة، لكنهم يفشلون وسرعان ما يتخلون عن الأمر ويبحثون لأنفسهم عن مهنة أخرى.
ولكنه يبحث الآن عمّن يرث المهنة، فلديه ابنتان ترافقانه إلى العمل والمعارض، ولكنه يتمنى ألا تعاني ابنتاه ما عاناه طيلة حياته، وأن تكون لديهما الفرصة للحصول على المزيد من الأدوات المساعدة والعمال الذين يسهلون العمل كثيراً مع النحل.
ولديه خطة بديلة في حال إذا اختارت الفتاتان أسلوب حياة بعيداً عن النحل؛ ولهذا يحاول إقناع أبناء عمه بالعمل معه، لينقل إليهم كافة أسرار حياة النحل، ليرثوا مهنة العائلة، فهو الآن فهم لماذا أراد والده حبيب أن يرث أحد أبنائه مهنة تربية النحل؛ لأنه اكتشف وبعد الكثير من السنوات أن الإرث كبير، ولا يستحق أن يذهب هباءً مهما كلف الأمر من تضحيات.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©