مع توديع الأردنيين «مئويتهم» الأولى، واستعدادهم لدخول «مئويتهم» الثانية، حدد صندوق النقد الدولي أربع أولويات لمستقبل الاقتصاد الأردني، وتتمثل في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، ودعم النمو، وخلق فرص العمل، وتعزيز الحماية الاجتماعية. وفي الوقت نفسه أطلقت الحكومة الأردنية حزمة إجراءات تستهدف أربعة محاور رئيسة، هي: تنشيط الاقتصاد وتحفيز الاستثمار، الإصلاح الإداري والمالي، تحسين المستوى المعيشي للمواطن، وجودة الخدمات. 
وإضافة إلى أزمته المالية المزمنة، جاءت جائحة كورونا لتزيد من المخاطر والتداعيات السلبية على مختلف قطاعاته الاقتصادية، حيث سجل الاقتصاد انكماشاً بنسبة 3.5% العام الماضي، وهو الأسوأ منذ عقود، بدلاً من تحقيق نمو بمعدل 2% قبل حلول الوباء. وعلى وقع هذه التداعيات أعدت الحكومة موازنة العام الحالي البالغة نحو 14.22 مليار دولار، وتحمل عجزاً بقيمة 1.8 مليار دولار، بما يساهم بزيادة حجم الدين العام الذي تجاوز 40 مليار دولار. لكن وزير المالية محمد العسعس، ومن منطلق تفاؤليٍ، توقع أن تسرع الموازنة إصلاحات يدعمها صندوق النقد الدولي، بما يمهد الطريق لإنتعاش النمو 2.5%، وهو يرى أن الأردن حافظ على الاستقرار المالي تحت أصعب الظروف، مستشهداً بثبات تصنيفه الائتماني لدى وكالات موديز وفيتش وستاندارد أند بورز. غير أن هذا التفاؤل يصطدم بتقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي الأردني، والذي يستند إلى تقارير دولية ذكرت أن «النمو الاقتصادي في الأردن لا يزال مثقلاً بأعباء الصراعات الدائرة في المنطقة وتداعياتها، وضعف استثمارات القطاع العام، إضافة لتداعيات أزمة كورونا». 
لقد أثبتت الوقائع التاريخية، أن الأردن يواجه تحديات منذ أكثر من 100 عام، وهو لم يشهد أي فترة هدوء في محيطه الإقليمي، إذ يعيش في منطقة عالية المخاطر، بما في ذلك تداعيات القضية الفلسطينية منذ إطلاق «وعد بلفور» 1914، ومروراً بنكبة 1948. مع العلم أن «إمارة شرق الأردن تحولت في عام 1921 إلى «المملكة الأردنية الهاشمية»، في سياق التحولات الجيوسياسية الكبرى في المشرق العربي بعد الحرب العالمية الأولى.
وإذا كان الأردن قد تجاوز بعض النتائج السلبية للتوترات السياسية والأمنية في المنطقة، فقد حصل ذلك بفضل عوامل عدة، أهمها المساعدات الخارجية الاستثنائية التي تلقاها من الدول الشقيقة والصديقة، والتي أكدت أهمية «الاستثمار في السياسة» بتحديد مواقف الدول من التطورات الإقليمية في ضوء الصراع القائم وتحالفاته. وفي هذا السياق استطاع الأردن أن يوفر للاستثمارات «بيئة آمنة ومستقرة»، حتى تضاعف لديه حجم الاستثمارات العربية المباشرة. لكن رغم ذلك تحمل أعباء النتائج السلبية التي ساهمت في بطء نمو اقتصاده، لاسيما مع الزيادة الكبيرة لعدد سكانه الذى بلغ نحو11 مليون نسمة، نتيجة استضافته اللاجئين السوريين والعراقيين.
وتبقى الإشارة إلى أنه في ضوء التطورات المرتقبة، يراهن الأردن على استقرار إقليمي، ويتطلع إلى قدرته على استثمار «فائض الثقة» به، كونه وجهة آمنة ومستقرة، في وقت تركز فيه الحكومة على تنفيذ سلسلة مشاريع كبيرة باستثمار مشترك بين القطاعين العام والخاص. وهناك استثمارات خليجية في كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية، يمكن مضاعفتها، لتساهم بدعم الاقتصاد الوطني. 

*كاتب لبنان متخصص في الشؤون الاقتصادية