خلال العام المنصرم الذي لم يكن عاماً عادياً على دولة الإمارات العربية المتحدة وعلى العالم أجمع بسبب جائحة «كوفيد- 19» قمنا برفد القارئ الكريم بسلسلة من المقالات وصلت في مجموعها إلى خمسة وعشرين مقالاً تحدثنا فيها تحت عنوان جامع، هو الإمارات نحو الخمسين، وقمنا في كل مقالة منها بمناقشة شأن من شؤونها التي مرت بها منذ العام الأول لتأسيس الدولة الاتحادية في الثاني من ديسمبر 1971.
ولأن تلك المقالات لقيت صدى واستحساناً من القراء في داخل البلاد وعلى مدى العالم العربي بسبب ما تطرقت له وناقشته من أمور هامة سياسية واقتصادية واجتماعية ودستورية، كان الكثير منها غير واضح أو حتى خافياً على الكثيرين منهم على رقعة العالم العربي، فإننا سنقوم هذا العام وعلى مدى مطول بمناقشة قضايا أخرى هامة أيضاً وأبدعت فيها الدولة الاتحادية أيما إبداع على الصعد التنموية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخارجية ومساعدة الأشقاء العرب في كل أنحاء العالم العربي وخدمة المجتمع البشري حول العالم والإسهام الغني في جميع القضايا الإنسانية.
ولأن الجانب التنموي سيأخذ حيزاً وافراً من الحديث، فإن التطرق للقضايا التنموية وتحديد مفاهيم ومشاكل التنمية ذاتها يتطلب التعرض له بعمق، فعلماء السياسة يجمعون على وجود خمس مشاكل لا بد وأن تمر بها الأمم الحية بالتدريج خلال تطورها السياسي، هي الهوية والشرعية والمشاركة السياسية وتوزيع موارد المجتمع.
فبالنسبة للهوية من المعروف أن الشعوب تطور لنفسها هوية وطنية تعلو على الانتماءات الأخرى التي هي دونها كالمحلية والقبلية والمناطقية.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن شعب دولة الإمارات العربية المتحدة ينظر إلى نفسه في الوقت الحاضر بأنه شعب خليجي - عربي مسلم.
وضمن هذا الإطار، فإن المسائل المتعلقة بهذه النظرية الجديدة على الصعيد الخليجي لا زالت في طور التبلور رغم مرور أربعين عاماً بالتمام والكمال على تأسيس مجلس التعاون الخليجي.
وربما أن السبب في ذلك يعود إلى أن مسألة الالتباس لدى البشر بين المحلية والجماعية الخليجية لا زالت غير واضحة.
والمواطنون في دولة الإمارات طوروا لأنفسهم نظامهم الخاص للشرعية القائمة في مجتمع قبلي، وتستند على سلطة الحاكم الذي تتم مبايعته من قبل الجميع عندما يستلم السلطة في أول الأمر، وهو نظام قائم لمئات السنين، وجاء الدستور القائم حالياً لكي يصقله على المستوى الاتحادي، لكي يسري على الإمارات السبع المكونة للدولة.
ويجمع المواطنون في الإمارات السبع بأن النظام السياسي الاتحادي القائم هو كامل الشرعية التي يستمدها من تصديق الحكام السبعة على الدستور الاتحادي نيابة عن مواطنيهم في كل إمارة.
ويلاحظ بأنه خلال التسع والأربعين سنة الماضية التي انقضت من عمر الدولة الاتحادية توفرت منذ اليوم الأول لقيام الاتحاد وعبر كامل القطر، رؤية واضحة ورشيدة من العاصمة الاتحادية أبوظبي لكي تعم سائر الإمارات والمدن والبلدات والأطراف وكافة ربوع الوطن، سواء كان ذلك في شكل قوانين تسن أو قرارات أو أوامر وتوجيهات من رئيس الدولة تصدر وتصب في صالح المواطنين وخدمتهم.
وفي الحقيقة أن هذه مميزات فريدة وخاصة بمجتمع دولة الإمارات ومواطنيها، ويندر وجودها لدى بعض شعوب الأرض الأخرى. ففي دولة الإمارات الجميع متعلق ومتشبث بالمركز الاتحادي وبالسلطة الاتحادية وبالنظام الاتحادي ومتقبل بصدور رحبة لقراراتها وبكل ما تتخذه من إجراءات وتسنه من قوانين تصب في الصالح العام للوطن الاتحادي ومكوناته كل على حدة. وللحديث صلة.
*كاتب إماراتي