وأنت مطوق بأساور تؤذي معصميك، ووشاح خشن شائك يخنق أنفاسك إثر الجائحة اللعينة، تشعر بشوق وتوق إلى الخضراء المسترخية على مخمل الأخضر اليانع، وتدعوك لعناق العشب والطير، ونخلة وارفة تتسلق عنان السماء بخفة الغزلان، ولهفة العشاق وصبوة الجياد، ووثبة الريح على كفي شغوف لهوف.
هنا في مدينة العين، هنا على بسط النعيم السماوي وفطرة الكون المؤدلج بالعفوية، هنا تشعر أنك تمسك بمعصم الوجود، وتقود الروح الولهة إلى ربوع، وينوع، ويفوع، تجعلك في العالم نجمة تترقرق، بين أحضان غيمة ممطرة، تجعلك موجة تتطوق في أحشاء الزرقة المهيبة، تجعلك جملة مفيدة في فضاءات اللغة، تجعلك كلمة بين طيات قصيدة ملهمة، تجعلك كاهن الغايات المثلى في عرفانيات الوعي المتدفق من بين ثنايا القلب العاشق.
العين في الشتاء تبدو كعين حسناء جللت بالكحل، ككف وحشية خصبت بحناء الكلف، تبدو العين هكذا، لأنها ظلت دائماً كقارئ وهب نفسه للتلاوة، وترتيل الجمال الرباني من دون تلف أو عسف، هي هكذا تستقبلك بوهج مهجة تعرفت على عشاقها من بريق العيون، ومن شهقة الروح حين تتلاقى النظرات ما بين الثلاثي العريق «الإنسان، والطير، والشجر»، وصوت قديم يأتي من تلافيف الروح يدوزن المشاعر، بأوتار القلب، وأنامل العقل، وأنت بين لفلفات النغم تهيم في الأبعاد كأنك الناسك في صومعة التأمل، كأنك «البيدار»، وهو يعتلي صهوة النخلة، كأنك البحار وهو يحرك مجاديف الهوى على موسيقى الموال الشجي، وأنت.. أنت المدنف تحتسي لهفة الغرق الجميل في أعطاف العين، وتسبح في مقلة عينيك نجمتان تحومان في سماء العين، تبحثان عن صورة مثلى لهذا العالم، فتجد صورة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تطالعك في متحف قصر الشيخ زايد، هناك يأتي التاريخ كأنه الطفولة، يمنحك شمعة في الغرف الجصية، يمنحك ضوءاً تسير على هديه لتجد ما أخفاه التاريخ يتجلى وعياً كونياً في الذاكرة، وتصبح الذاكرة دفتر أيامك الذي تحمله إلى الأبناء والأحفاد، لتقرأ عليهم ما خلد عمر الإمارات، وما أعطاها العراقة والرسوخ، والشموخ، ولأن العين كانت المنبت لشجرة العائلة العملاقة، بدت أمامك هذه المدينة، ريانة بالحلم، ثرية بالمعنى، غنية بالجذور، وصرت أنت البيضة التي يتفتق عنها فرخ الطير، وهو يزيح عن كاهله القشور العالقة على زغبه.