كيف ستعمل المؤسسات العامة المنبثقة عن الحكومات والقضاء والسلطات التشريعية، وكيف تكون العلاقة بينها وبين الناس في بلدانهم؟ يستكشف تقرير الاتحاد الأوربي «مستقبل الحكومات 2030.. منظور للحكم يتمحور حول المواطن»، التحديات المجتمعية الناشئة في مواجهة الحكم والإدارة في عالم رقمي سريع التغير، ويؤثر جوهرياً في مجالات داخل الإدارة العامة اتخذت على مدى القرون السابقة وضعاً ثابتاً وراسخاً، ويطلق تفكيراً تخمينياً وتخيلياً لأشكال الحكومات المستقبلية واتجاهاتها، وفقاً لمعطيات ومدخلات جديدة تؤثر في العلاقة بين الحكومات والمواطنين، وتنشئ مصالح وقيماً وأفكاراً جديدة. وربما يكون أهم هذه المدخلاتِ الأدوارُ والمسؤولياتُ الجديدةُ للمواطن.
نميل في الأدبيات العربية إلى استخدام مصطلح الإدارة العامة بدلاً من الحكم والحاكمية والحكومات والحوكمة، إذ إن الجذر اللغوي «حكم» صار ينصرف في الثقافة العربية إلى مفاهيم سياسية ودينية مختلفة كثيراً عن مفهوم «governace» في اللغة والثقافة الإنجليزيتين، ورغم أن مصطلح «الإدارة العامة» التبس بمصطلح «إدارة الأعمال»، ورغم الفرق الكبير بين المجالين، فإن السلوك الأكاديمي والسياسي والثقافي العربي صار يدمج بينهما، علماً أن الاستخدام التاريخي العربي لكلمة «حكم» يحتمل المعاني والمفاهيم الغربية القائمة اليوم، ويشمل كما في الغرب مفهوم القضاء. 
يقدم التقرير أربعة نماذج متوقعة، تتميز جميعها باللامركزية في السلطة، والمجتمعات ذاتية التنظيم، ودور عام جديد للشركات يزيد من تأثيرها على الحكم والسياسة، والتعاون المتقدم وعالي المستوى بين الحكومات والمواطنين والمصالح الاقتصادية والأسواق.. وكلها تصورات مستمدة من إعادة توزيع علاقات القوة والتأثير بين الفاعلين المجتمعيين والسياسيين؛ مثل الأفراد والشركات والمصالح ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى السلطات السياسية والتشريعية والقضائية.
إن الحكومات ومؤسسات الإدارة العامة نشأت حول منظومة من الاحتياجات والأدوار التقليدية، وهي بالطبع سوف تظل قائمة ومستمرة، ولكن تنظيم هذه الاحتياجات والعلاقات يتغير تبعاً للتحولات والآفاق الجديدة الناشئة عن التطور الطبيعي، أو ما تنشئه التكنولوجيا من واقع جديد، قد يصل أحياناً إلى مستوى الطفرة. 
وسبق أن عرضت بعض المعالجات والأفكار التي تقدمها مؤسسات وطنية ودولية حول الحكومات الإلكترونية، وهذا ينشئ بطبيعة الحال نمطاً من «الحكم الإلكتروني» وعلاقات جديدة بين السلطات ومواطنيها. ويجب التذكير هنا بأن كل محاولة لتجاهل أو تحدي المسار التكنولوجي والصناعي لا تفيد سوى العزلة والتأخر عن العالم، حتى مع الموافقة على المساوئ الكثيرة للتكنولوجيا، والخسائر والتضحيات التي تقدمها الأمم بسببها. 
فالتكنولوجيا هي المحرك الأساسي والأكثر قوة للأمم والمصالح والطبقات، وبطبيعة الحال فإنها تنشئ منظومة جديدة ومعقدة من القضايا القانونية والأخلاقية. ولا نملك في مواجهة الحالة الجديدة سوى إطلاق أكبر قدر ممكن من الطاقات الإبداعية والتعاون والحوار بين جميع مكونات الأمة، والحفاظ على الثقة بين المؤسسات والمواطنين في أعلى مستوى ممكن، إذ بغير هذه الثقة تفقد البلدان تماسكها الاجتماعي، وتهدر الطاقات والموارد والوقت في صراعات وتسويات ليس لها في أحسن الأحوال فائدة سوى استعادة الثقة التي كان ممكناً تكريسها من غير خسائر. 
السؤال الأساسي والمرجعي لتصور الإدارة والمؤسسات هو: ماذا يريد الناس وماذا يحتاجون؟ وتدور حول هذا السؤال كل النتائج المتمخضة عن الحوارات والاستماع والتسويات والخلافات الممكنة والناشئة، وقد ساعدت التكنولوجيا الرقمية في بناء تصورات ونماذج شاملة ومتكاملة تزيد من شرعية البرامج والخطط والمؤسسات وتضمن نتائجها وجودتها، وهنا يجري الحديث بداهة عن ضرورات تطوير وتكريس المعرفة «الرقمية» التي أصبحت مثلها مثل القراءة والكتابة، وكذلك التفكير الإبداعي والنقدي، والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص بقدر ما تزيد أهميته ومشاركته وأرباحه أيضاً.