العلاقة بين دول الخليج العربي ليست سطحية كما يبدو للمتابعين من خارج المنطقة. فلا يجوز تشبيهها بالعلاقة بين فرنسا وألمانيا، مثلاً، اللتين اجتمعتا رغم كل الفروقات التي بينهما. جمعتهما المصالح الاقتصادية والسياسية. لكن الرابط الذي يجمع بين دول الخليج، أستطيع تلخيصه في: الدين الذي يدين به أهل المنطقة، والنسب والرحم اللذان يجمعان بينهم. فأكاد أجزم أن جُل العائلات في قطر لديها أهل في الإمارات والسعودية والبحرين وعُمان والكويت، والعكس صحيح. فقبائل كاملة من أهل أبوظبي لديها أرحامها في الدوحة، ولهذا السبب، فإن أهل المنطقة في قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم متقاربون لدرجة التطابق. ولو أضفنا لذلك العوامل الجيوسياسية، ويقصد بذلك التقارب الجغرافي بما يشمله من حدود برية وبحرية وجوية مشتركة، إضافة للثروات الطبيعية، وكيفية استثمار ذلك سياسياً لما فيه خير المنطقة قاطبة، كما أن المنطقة تعاني من تهديدات مشتركة يعرفها الجميع وليس المقام مناسباً لبسطها. كل ما سبق من عوامل جعل أصحاب السمو حكام المنطقة ينتصرون بفكرهم المخلص لأوطانهم على كافة العوامل والتحديات التي اجتمعت. وكان من نتائجها: سنوات من الغمة التي أثرت سلباً على الأمة، ومن لم ينله لهبها تأثر بدخانها. وكان لأعداء المنطقة دور أساس في إيقاد الأزمة والنفخ في جمراتها، لأنهم الوحيدون الذين استفادوا من تأجيج تلك الفتنة. لكن ولله الحمد والمنة أن العقل سبق العاطفة، ونشرت دول المنطقة أشرعتها في الاتجاه الصحيح كي تستفيد من هذه العاصفة. وتصل بدولها إلى مرافئ السلام، محملين ببضاعة لا تقارن بثمن.
إنها سلعة أمن الوطن الذي لا يساوم عليه أحد، فلا يوجد أجمل من السلام بعد الخصام. ثمرات قرارات القمة الخليجية ستحصدها شعوب المنطقة قاطبة في القريب العاجل.
العقلاء والحكماء مطالبون بالبحث في أسباب نشوء تلك الأزمة، والعمل على استخلاص الدروس منها. فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين. فهل نحن في مجلس التعاون بحاجة إلى محكمة عليا مستقلة تكون قراراتها ملزمة، تبحث هذه المحكمة في القضايا الكلية التي ترفعها لها الدول كي تعالجها قانونياً، على غرار محكمة العدل الأوروبية؟ هل نحن بحاجة إلى برلمان خليجي تتجاوز صلاحياته الهيئة الاستشارية كي تكون قراراته مناسبة للمرحلة القادمة من العمل الخليجي المشترك؟ وقبل هذا: هل نحن بحاجة إلى سياسة إعلامية تجمع ولا تفرق، وتجبر ما تم كسره؟ فالإعلام عنصر فاعل في بناء الثقافة المجتمعية العامة. لقد اندس- وللأسف الشديد- من بيننا أناس قلوبهم بها مرض، هدفهم إثارة الفتنة بين أبناء الأسرة الخليجية الواحدة، وقد أزف رحيلهم إن أردنا ألفة لا تفرقها مصالح طارئة. إن إعلام المرحلة القادمة بحاجة إلى حكماء يرسمون سياسته العامة، التي من أهم ملامحها عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، وإعلاء روح البناء لا الهدم، وبناء ثقافة السلام والمودة التي تعيد لأهل المنطقة اللُحمة التي تجمع شتات قلوبهم والرحمة التي كانت بينهم. 
*أكاديمي إماراتي