تسبب قرار الهيئات الصحية البريطانية بتمديد الفترة بين الجرعة الأولى والجرعة الثانية من تطعيمي فايزر وأكسفورد، من 21 يوماً إلى 12 أسبوعاً، أي 84 يوماً، في إثارة عاصفة من الجدل والانتقا اللاذع. ويهدف أطباء وعلماء هذه الهيئات الصحية من هذا القرار إلى تغطية أكبر عدد ممكن وفي أسرع وقت من الفئات الأكثر عرضة للمضاعفات الخطيرة بجرعة واحدة مبدئياً، في ظل النقص النسبي في المتوفر من جرعات التطعيمين. 
إلا أن شركة فايزر خرجت بتصريح مفاده أن الدراسات التي تمت على فعالية التطعيم، بنيت على أن الزمن بين الجرعتين هو 21 يوماً، ولا تتوفر للشركة بيانات عن مدى فعالية التطعيم إذا ما تمت المباعدة بأكثر من ذلك بين الجرعتين. كما أن نقابة الأطباء البريطانيين انتقدت هذا التغيير، ووصفته بأنه غير عادل لمن تلقوا الجرعة الأولى.
لكن كبير الأطباء في إنجلترا ومعه كبار الأطباء في كل من اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، دافعوا عن هذا القرار، من منطلق أن الجزء الأعظم من الوقاية يتحقق من الجرعة الأولى، ويظل الهدف الأساسي من الجرعة الثانية هو إطالة فترة الوقاية لأكبر فترة ممكنة، حيث تزيد الجرعة الثانية من درجة الوقاية بقدر بسيط نسبياً.
وبناءً على هذا المنطق، يصبح من الأفضل تحقيق الوقاية لأكبر عدد ممكن من الناس، حتى ولو كانت هذه الوقاية غير تامة، بدلاً من تحقيق الوقاية الكاملة لعدد صغير. هذه الاستراتيجية لن تفيد من تلَقَّوا الجرعة الأولى فقط، بل جميع أفراد المجتمع. فكلما زاد عدد الذين أصبحوا يتمتعون بدرجة من الوقاية، حتى ولو كانت غير مكتملة، قلَّ عدد الأشخاص الذين يمكن أن يتعرضوا للعدوى، ومن ثم تقلّ فرص نشرها بين الآخرين.
بل إن بعض البيانات، وبالتحديد المتعلقة بتطعيم أكسفورد، تظهِر أن زيادة الفترة الزمنية بين الجرعتين، تزيد من مقدار الوقاية المتحققة. ومما لا شك فيه أن القرار الذي اتخذه كبار الأطباء جميعهم، هو قرار براجماتي، في ظل حقيقة أن بريطانيا تتعرض لوباء لم تعهد مثيلاً له منذ أكثر من قرن، وخصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار أنه ليس من المؤكد بعد، ضمان حصول الحكومة البريطانية على عشرات الملايين من جرعات التطعيمات المختلفة التي طلبتها ودفعت ثمنها مقدَّماً.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية