اشتهرت الصحفية «مالالا مايواند» رغم حداثة سنها (26 عاماً) بالجرأة في المقابلات التي تجريها في تلفزيون «انيكاس» الذي يحظى بشعبية كبيرة في الجزء الشرقي من أفغانستان. وكانت «مايواند» قد أجرت مقابلة جريئة مع متحدث باسم الشرطة، لكنها بعد المقابلة بأسابيع لقيت حتفها بإطلاق النار عليها في العاشر من ديسمبر. وعملية الاغتيال التي تمت في وضح النهار، ليست إلا الأحدث في سلسلة الهجمات التي تستهدف الصحفيين في أفغانستان. وأبرزت موجة القتل المخاطر التي يواجهوها الصحفيون وهم يرصدون تصاعد العنف وتوتر محادثات السلام بين ممثلي الحكومة الأفغانية وحركة «طالبان» منذ انطلاقها في سبتمبر الماضي. 
ومنذ يناير الماضي، قتل 11 صحفياً وعاملاً في الإعلام، مما يجعل عام 2020 من أكثر الأعوام دموية بالنسبة للإعلام المحلي الذي تنامى سريعاً عدد العاملين فيه منذ انتهاء حكم «طالبان» عام 2001. وتسارع إيقاع القتل في الآونة الأخيرة؛ حيث قُتل خمسةُ صحفيين في الشهرين الماضيين وحدهما. وفي الآونة الأخيرة أيضاً، قُتل المصور رحمة الله نكزاد بإطلاق النار عليه خارج محل إقامته في مدينة غزني. وفي نوفمبر الماضي، قُتل إلياس ضياء، الصحفي في «راديو ازادي» وياما سيافاش، المذيع السابق في تلفزيون «تولونيوز»، في تفجيرين منفصلين، أحدهما في إقليم هلمند والآخر في العاصمة كابول. كما قتل فاردين أميني، المذيع في تلفزيون «آريانا نيوز»، بعد يوم واحد من مقتل مايواند. 
وكان ضياء من مجموعة من الصحفيين الذين يغطون الأحداث من هلمند، جنوب البلاد. وقد تسبب مقتله في فرار عدد من الصحفيين من هلمند، مما خلق فجوة في الإعلام في ولاية لطالما كانت ساحة قتال محورية بين «طالبان» والقوات الحكومة. وأعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن قتل مايواند وسيافاش. وكانت الشرطة الأفغانية قد أعلنت أن أميني انتحر بذبح نفسه، لكن أسرته وأصدقاءه يؤكدون أنه اغتيل. ونفت «طالبان» تورطها في مقتل نكزاد وأدانت الهجوم على الصحفي. وعبر أكثر من عشرة صحفيين أفغان ونشطاء إعلاميين (منهم نساء) عن شعورهم بعدم الأمان وعن خشيتهم من تزايد مثل هذه الهجمات مع استمرار تدهور الأمن. 
ومايواند واحدة من قلة من النساء اللائي تجاسرن على الظهور كصحفيات في التلفزيون في ننكرهار، وهو إقليم شديد المحافظة يعمل فيه عدد قليل من النساء خارج المنزل. ومعظم العاملين في الصحافة يفضلون تولي أعمال بعيداً عن الكاميرا، بدلاً من المغامرة بالظهور على الشاشة. ويرى نياز محمد خاكسار، زميل مايواند الذي يعمل في تلفزيون «انيكاس» أيضاً، أن «مقتلها بثّ الخوف وسط الصحفيين وخاصة النساء». 
وهزت الاغتيالات البلادَ وفضحت هشاشة حرية الصحافة التي انتزعت بشق الأنفس في أفغانستان. وتأتي عمليات القتل في وقت تواجه فيه الصحافة مستقبلاً غير مؤكد، حتى إذا توصلت الحكومة و«طالبان» إلى اتفاق. وأكد طارق عريان، المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، أن «طالبان» ضالعة في معظم اغتيالات الصحفيين منذ عام 2001. وألقت وسائل الإعلام ونشطاء حقوق الإنسان باللائمة على الحركة والمتعاطفين معها في عمليات القتل في الآونة الأخيرة، قائلين إنها تسعى لقمع أصوات الذين قد يضعِفون مكانتها في محادثات السلام. لكن «طالبان» ترفض هذه الاتهامات. وقد كتب المتحدث باسمها، «ذبيح الله مجاهد»، في رسالة على «واتس آب» لصحيفة «واشنطن بوست»، يقول: «قتْل الصحفيين والعاملين في الإعلام ليس من أهدافنا». 
وفرضت «طالبان» قيوداً شديدة على وسائل الإعلام أثناء فترة حكمها في نهاية تسعينيات القرن الماضي. وحظرت البث التلفزيوني، واستولت على محطات الراديو والصحف المملوكة للدولة لاستخدامها كمنصات للدعاية. لكن الجماعة أظهرت تقبلاً أكبر تجاه الصحفيين منذ بدء محادثات السلام مع مسؤولين أميركيين عام 2018. وتسمح «طالبان» الآن بإمكانية دخول محدودة وفي ظل رقابة شديدة إلى المناطق التي تسيطر عليها. والمتحدثون باسم الحركة المتشددة يُجْرون مقابلات ويقدمون إفادات صحفية، مستخدمين عادة التكنولوجيا التي حظرتها الجماعة ذات يوم. 
وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، انتعش الإعلام الأفغاني في العقدين الماضيين. وظهرت عشرات من محطات التلفزيون ومئات من الصحف المطبوعة والصحف الإلكترونية على الإنترنت. وكشف صحفيون أفغان الفساد وفضحوا انتهاكات حقوق الإنسان بتغطيات صحفية وصلت ملايين المواطنين. لكن هذه المكاسب مازالت شديدة الهشاشة، ويخشى كثير من الصحفيين خسارة هذه المكاسب إذا عادت «طالبان» للسلطة أو اضطلعت بدور كبير في الحياة العامة. وتساءل شاه حسين رسولي، رئيس تحرير راديو «سلام وطندار»، وهو أكبر محطة راديو في أفغانستان، قائلاً: «ماذا عن مصير الصحفيين ووسائل الإعلام بعد اتفاق السلام؟ ما موقعهم في المجتمع؟». ويرى رسولي أن محادثات السلام حين «تبدأ بقتل الصحفيين، فنهايتها ليست مبشرة بخير فيما يبدو».

شريف حسن

مراسل «واشنطن بوست» في أفغانستان 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»