منذ سنوات الحرب العالمية الثانية، التي كانت قاسية على المجتمع البشري ومنظومة الدول القائمة المكونة للنظام العالمي لم تمر على البشرية أيام قاسية كالعام المنصرم 2020، فطوال الثمانين عاماً أو نيف التي مضت منذ أواخر ثلاثينيات القرن العشرين وبداية أربعينياته مرّت على العالم العديد من الأحداث والمآسي والكوارث والجوائح والأوبئة الفتّاكة، لكنها لم تكن بفداحة ما فعله العام 2020 بالبشرية من حيث تحديات القدرة على التكيف مع جائحة كورونا المستجد، أو ما أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية «كوفيد- 19».
لقد أدّت هذه الجائحة الغريبة التي لم تترك دولة أو بقعة من هذا العالم إلا وضربتها بقسوة وأصابت أعداداً من مواطنيها أو سكانها في مقتل.
لقد حدثت معظم الإصابات والوفيات خلال عام 2020 رغم أن الجائحة بدأت في مدينة يوهان الصينية منذ العام الذي سبقه 2019. إن ما يوجد لدينا الآن من ذكريات حول العام 2020 هو مصطلح وحيد يمكنه أن يخدم كتمثيل مناسب لذلك العام المنصرم وهو القدرة على وسهولة «التكيف» مع ما يحدث لنا ويدور حولنا من مآس.
والواقع أن فترات نادرة على مدى تاريخ البشرية المعاصر عملت على تمكيننا من اختبار قدرتنا على التكيف السريع مع الأحداث وعلى صقل الجوانب الثقافية المستجدة في سلوكنا كبشر وعلى حمل الدول على تغيير سياساتها الوطنية تجاه الأحداث، وأجبرت قطاعات ومؤسسات وشركات تجارية واقتصادية كبرى على التعامل مع الأوضاع الاقتصادية والتجارية المستجدة.
والأحداث الجسام التي شهدها ذلك العام تراوحت ما بين الجائحة الصحية اللعينة، وما هو متواجد من عدم عدالة في التعامل ما بين الدول والبشر وخروقات متزايدة لسلامة البيئة على الصعيد العالمي خاصة من قبل عدد من الدول العظمى والكبرى، إلى ما حدث من تغيرات سياسية واستراتيجية وجيوبوليتيكية معقدة على الأصعدة العالمية والإقليمية والمحلية في داخل الدول، فإن تداعيات عام 2020 على البشرية جمعاء ستبقى في ذاكرتها لردح طويل من الزمن، خاصة الجوانب المرة منها.
أما على صعيد دولة الإمارات العربية المتحدة الداخلي، ورغم التداعيات السلبية التي تركتها عليها جائحة «كوفيد- 19» أسوة ببقية دول العالم، إلا أن قدرتها على التكيف كدولة وقيادة ومجتمع وتمكنها من الإبداع والابتكار والنمو وإدارة الأزمة بشكل صحيح على الصعيدين المحلي والعالمي كان خلال السنة الفائتة متميزاً وغير عادي، فرغم الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، وتوقف تنقل البشر من مكان إلى آخر، وتجميد شركات الطيران لعملياتها الجوية في نقل الركاب، وكساد سوق السياحة العالمي، وبطء عمل الموانئ إلى غير ذلك من مناشط اقتصادية، إلا أن سير الحياة في جميع أنحاء البلاد كان طبيعياً إلى حد كبير، فلم يشعر المواطنون فيه بتغييرات كبيرة مباشرة تمس حياة الأفراد والمجتمع إلى درجة أثارت التعجب لدى العديد من الدول والمجتمعات الأخرى. ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى جودة إدارة الأزمة التي مورست طوال العام المنصرم.
ما نستطيع قوله بهذا الصدد، إنه عندما واجهت الإمارات دولة وقيادة وحكومة ومجتمع ما هو أسوأ في عام 2020، وهو أزمة «كوفيد- 19» لاحظنا الهَبة الأمثل من قبل مواطنينا والمقيمين لدينا وشركائنا الخارجيين في شتى المجالات، لكن على الصعيد الداخلي بالتجديد كان مواطنو دولة الإمارات والمقيمون فيها مضرب المثل في التعاضد والتقارب مع بعضهم بعضاً لمواجهة الموقف الصعب وبوسائل وطرق لم يشهد لها مثيل من قبل من حيث مساعدة الواحد منهم الآخر للتعامل مع المعركة المستجدة للعمل عن بعد لتسيير أمور البلاد على شتى الأصعدة الصحية والتعليمية والتجارية والاقتصادية والإدارية، فالجميع راهن وحشد ومارس حياته بشكل كامل إرتكاناً على بنية اجتماعية جديدة كمصدر للاتصال والتواصل عن بعد وعلى نظام معاملات مستجد وعلى ثقة تامة بما يصل إليهم من تعليمات وأوامر وأنباء ومعلومات وتوجيهات في وقت عصيب صار فيه مثل هذا النظام هام جداً لسير الحياة كالمعتاد.
خاتمة القول إن دولة الإمارات في عهدها الحالي تبهر الجميع في كل شيء، ولم تكن سنة 2020 استثناءً من ذلك، وعمار يا الإمارات في كل عهد وعصر.