الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

توفيق الحكيم.. واصطناع اللغة الثالثة!

توفيق الحكيم.. واصطناع اللغة الثالثة!
5 يناير 2021 01:41

إيهاب الملاح (القاهرة)

ينتمي توفيق الحكيم إلى جيل الرواد في الثقافة العربية الحديثة، وكان رائد تأصيل الشكل المسرحي في الأدب العربي، وترسيخ الحوار المكتوب باللغة العربية ببراعة منقطعة النظير. 
وتشكل نظرات توفيق الحكيم اللغوية وآراؤه في الإبداع والكتابة منجماً ممتازاً للباحثين في قضايا اللغة العربية بعامة، واللغة الفنية الإبداعية بخاصة، واصطناع أسلوب مُوَاتٍ يجمع بين أصالة الفصحى وعراقتها والعامية التي هي فرع منها ورد عليها. 
وقد كان الحكيم رائد الأسلوب اللغوي الذي استقر النقاد على تسميته بـ «اللغة الثالثة» التي عدّوها وسطاً تركيبياً مذهلاً بين الفصحى والعامية، كما تجسدت في سرديات الحكيم الروائية والقصصية، وحواراته المسرحية، وكذلك في مقالاته الغزيرة التي تشكِّل وحدها ما يزيد على العشرين كتاباً من أعماله الكاملة. يقول الحكيم في كتابه «فن الأدب» عن حضارية اللغة العربية، وارتباطها الوثيق بالوجدان والمشاعر والإمكانات والطاقات التي تختزنها هذه اللغة منذ نشأتها الباكرة:
 «لعل هذا من مفاخر اللغة العربية، أن نراها قد برزت وحدها هذا البروز بين الرمال، كأنها عَرار أو أقحوان، ولعل الفضل في ذلك راجع إلى الشعر، فالشعر زهرٌ قد ينبت في الخلاء، أما النثر فيحتاج في نموه إلى العمران»..
ويتابع الحكيم: «جاء العمران بعد ذلك، بظهور الإسلام، وتكونت حضارة إسلامية، واسعة الأرجاء، فأقيمت المساجد الجميلة على أنقاض الهياكل القديمة، وشيدت القصور، وملئت بالبدائع والطرائف والتحف، وتقدمت الصناعات، وازدحمت الفنون، وابتلعت الحضارة الإسلامية في جوفها كثيراً من الحضارات، ومع ذلك، لم يحاول الأدب العربي أن يزيد في قوالب نثره، أو أن يساير تلك الفنون المعاصرة، ولم يخرج ـ في الناحية الإنشائية ـ عن ثوبيه المعروفين، وهما: «الرسائل» و«المقامات». والمقامات أعمال قصصية قصد بها سرد حكاية، وتصوير أشخاص، ولكن الإغراق في الوشي اللفظي، والاحتفال بالوضع اللغوي، صرف الكاتب عن التعمق في التحليل، والإفاضة في السرد، والإجادة في البناء. فالأدب العربي الإنشائي في تلك الأزمان، قد عني باللفظ أكثر مما يجب، ولم يشأ أن ينزل عن تكلفه الذي يعتبره فصاحة وبلاغة؛ ليصور ما يجيش في نفس الشعب من إحساس، وما يبهجه من خيال».
هذا الوعي العميق بصيرورة اللغة وتطورها عبر العصور جعل الحكيم يدرك إدراكاً بيناً أنه هذه اللغة لا بد أن تكون مرنة طيعة، وتتخلص مما يثقلها من قيود وزخارف وأسجاع تعوق ترسلها وانسيابها الأسلوبي، وتفيد من الإمكانات التركيبية الهائلة التي زخر بها تراثنا النحوي واللغوي، ولهذا جاءت سياحات الحكيم الواسعة في التراث العربي ونصوصه ومعاجمه، وكانت حصيلة هذه الجولات عشرات المقالات المنشورة في كتبه «فن الأدب»، و«تحت شمس الفكر»، و«عصا الحكيم»، فضلاً على إشاراته الدقيقة لأثر معلم اللغة العربية في تكوينه ونشأته في سيرته الذاتية المعروفة «سجن العمر».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©