على وقع ترانيم أغنية قيثارة الغناء العربي «نجاة الصغيرة»، التي نسجتها أنامل الشيخة الشاعرة د/سعاد الصباح في قصيدة «لا تنتقد خجلي»: ( يا واضع التاريخ تحت سريرهِ.. يأيها المتشاوف المغرورُ، الأرض تحتي دائمًا محروقة.. والأرض تحتك مخمل وحريرُ، فأنا محافظة وأنت جسور.. وأنا مقيّدة وأنت تطيرُ، فرق كبير بيننا يا سيدي.. فأنا الحضارة والطغاة ذكورُ)، اهتزّت النفسُ طرباً. فقد طوّحت الكلمة العذبة والصوت الجميل مع اللحن بالعلاقة بين الرجل والمرأة عبر القيود الاجتماعية والتحدي الناقد وبشيء من الرومانسية، لذا جمحَ الفكرُ في الجدلية المستمرة للعلاقة بين المرأة والرجل، ليحُطَّ بها في حقل السياسة الدولية.
لقد أخذت تنتشر دراسات المدرسة البنائية خاصةً مع نهاية الحرب الباردة، والتي جعلت «العلاقات الدولية» تهتم بدراسة الهويات والمكونات والمتغيرات والمؤثرات الاجتماعية بعيداً عن المنظور الواقعي المرتبط بالقوة المادية. وأهم ما تقدمهُ البنائية هو الحركة النسوية وأثرها في السياسة الدولية والداخلية. وكانت أولى مراحل الحركة النسوية ترمي إلى افتكاك الحق في الانتخاب من منطلق المشاركة في السلطة السياسية الحاكمة، فمثلاً نجحت المرأة في بريطانيا في نيل هذا الحق في عام 1918. ومع الليبرالية واتساع دور المرأة بها، انتشرت فكرة بأنه لا يوجد فرق في الذات بين الجنسين، حيث يرادف معنى الذات وجود قوة عاقلة. وإذا أصبح مفهوم الذات خاضعاً للعقلانية سيحطِّم الكثير من الموروث التاريخي والثقافي السائد في العالم بمختلف حضاراتهِ، فلطالما مثلت السلطة شكلاً هرمياً يعلو فيها الرجل في العائلة والمجتمع والعمل والسياسة.
ففي السياسة العامة والدولية، لا أحد ينكر دور المرأة في السياسات الداخلية التنموية بمختلف قطاعاتها، مع دور بعض زوجات السفراء في تطوير العلاقات بين الدول في السياسة الدولية. إلى جانب ذلك لا تزال المرأة فعالة ومشارِكة في العمل التطوعي والإغاثي والصحي في الدول الغنية، وفي الدول التي تعاني من الفقر والحروب، والكوارث الطبيعية. وهناك توجهات تدعو إلى مشاركة المرأة بصورة أكبر في صناعة الواقع الدولي، معتبرةً أن احتكار الرجل للسطلة السياسية إلى جانب الاقتصاد والمال يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للحروب والصراعات الدولية. وترى الحركة النسوية أن الرجل يميل للقوة المادية في السياسة الدولية من خلال ما يكتسبهُ من قوة وتميز في النظم الاجتماعية، لذا فإن حدوث تغيير في الهرمية الاجتماعية عبر المساواة بين المرأة والرجل سيغير من السلوك العدواني بين الدول، وذلك يقوم على افتراض أن وصول المرأة للسلطة السياسية سيقلل من مبيعات السلاح المعتمدة على إذكاء النزاعات الدولية، وستُحل قضايا تكون فيها المرأة الضحية في الغالب لكونها الأضعف في المجتمعات مثل التجارة في البشر، والاغتصاب، والقتل في الحروب الأهلية والدولية، وتدني مستوى التعليم في المجتمعات ذكوريةِ السلطةِ الاجتماعية.
سأكتفي في الخاتمة بهذه الفكرة، فالحركة النسوية في العلاقات الدولية تقدم حلاً لاستنزاف الموارد الطبيعية وتزايد التلوث المرتبط بالإنتاج الصناعي عبر تزايد عدد النساء في العمل، والذي سيقلل من زيادة سكان الكرة الأرضية، وسيقود إلى التركيز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحقوق الإنسان.