في الغرب، حين يعلن صاحب مزرعة من أصل أنجلوساكسوني على الملأ أن أهله يقيمون على أرض الضيعة منذ خمسة أجيال، فإنه يحظى بقدر كبير من التوقير عادة. فماذا يتعين علينا تجاه النائبة «ديب هالاند» عن ولاية نيوميكسكو، من قبيلة «لاجونا بوبلو» من الهنود الحمر، التي تقول إن أهلها مقيمون في منطقة «ريو جراند فالي» (وادي ريو العظيم) في نيو مكسيكو منذ 35 جيلاً؛ أي منذ القرن الثالث عشر الميلادي؟ «هالاند» تقول: «تاريخ السكان الأصليين هو تاريخ أميركي. وبصرف النظر عن المكان الذي يوجد به المرء في هذه البلاد الآن، فهو موجود على أرض الأسلاف الهنود ولهذه الأرض تاريخ». 
وتمثل «هالاند» علامة إيجابية نادرة في تاريخ تعامل أمة المهاجرين مع السكان الأصليين بعد أن اختارها بايدن وزيراً للداخلية. وحقيبتها كوزير للداخلية تتضمن الإشراف على المحميات القومية وملاذات الحياة البرية والمسح الجيولوجي الأميركي والمساحات الشاسعة لمكتب إدارة الأراضي. وستصبح هالاند أول وزيرة من الهنود الحمر، وهي علامة فارقة في التاريخ لقيت حفاوة من مناطق الحكم الذاتي للهنود الحمر على امتداد البلاد. وسيكون هناك الكثير من الانتقاد والترقب والإحباط وسط القبائل من أشخاص يتوقعون الكثير من تولي «هالاند» منصباً وزارياً. لكن الآن، يجب أن نفرح بهذه اللحظة. 

وتحدثت مع هالاند في ذكرى ما يُسمى بـ«يوم العار»، 29 ديسمبر عام 1890، حين استهدف الجيش الأميركي الرجال والنساء والأطفال من الهنود الحمر في منطقة «ونديد ني» في ساوث داكوتا. وكانت سياسة الحكومة تتمثل في سلخ الهنود من لغتهم وثقافهم ودينهم، وإرسال الأطفال إلى مدارس داخلية ليتعلموا فيها أن الأساليب القديمة خطأ. وفي نهاية القرن التاسع عشر، شاعت وجهة نظر مفادها أن السكان الأصليين سيختفون قريباً. لكن ها هي «هالاند» واحدة من أكثر من خمسة ملايين من السكان من أصول الهنود الحمر مستعدة لإسقاط بعض من آخر حواجز الزمن والأرض في هذه البلاد. 

وقصتها الشخصية وحدها تجعلها استثناء في دهاليز السلطة. فبعد قليل من تخرجها في الجامعة أصبحت أماً. واعتمدت أحياناً على إعانات الغذاء، وعملت ذات يوم على بيع الصلصة التي تصنعها في المنزل لتجد ما تعيش به هي وطفلها. وبعد أن أصبحت نائبة جديدة في الكونجرس عام 2019 كانت لا تزال تسدد قروضها الدراسية. وحين ترشحت لمنصب النائب كان شعارها «الكونجرس لم يسمع صوتاً مثل صوتي قط». والآن ستشرف صاحبة هذا الصوت قريباً على خُمس أراضي الولايات المتحدة. 

وستشرف أيضاً على ملايين الهكتارات التي انتزعت من الهنود في معاهدات اُنتهكت في بضعة عقود سابقة. وستمثل أكبر شخصية تلعب دور الاتصال بين الحكومة الأميركية و574 قبيلة معترف بها اتحادياً، وهذه القبائل يمكن اعتبارها أمماً داخل أمة. وهذا نطاق واسع يمتد من منطقة «جراند كانيون» (الإخدود العظيم) التي تسكنها قبيلة «هافاسوباي» إلى الغابة المطيرة في منطقة «أولمبيك بنينسيولا (شبه الجزيرة الأولمبية) التي توجد فيه أمة (قبيلة) ماكاه، إلى الضواحي الحضرية التي يقيم فيها هنود يجدون صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية. وتحدثت «هالاند» عن ملحمة المآسي الممتدة لقرون قائلة: «أتمنى أن نستطيع تصحيح بعض الأخطاء». لكنها مع دخول العام الجديد، تبدو راضية بمحاولة تصحيح الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها إدارة ترامب. 

ففور وصول «راين زينكي»، أول وزير للداخلية في إدارة ترامب، إلى المنصب، دشن على الفور حملة لتيسير عمليات التنقيب في الأراضي العامة. أما الوزير الحالي، ديفيد بيرنهارت، فقد كان من نشطاء جماعات مصالح صناعة النفط والغاز، ولقيت خدماته في منصب عام لصالح عملائه السابقين قبولاً حسناً من أصدقائه القدامى. وتعهد بايدن بإنهاء كل عمليات التنقيب الجديدة عن النفط والغاز في أراضي المراعي والغابات والسهول، في تحول هائل سيلقى معارضة شديدة من الذين يستفيدون من الأراضي التي يمتلكها كل الأميركيين. ووعد «بايدن» أيضاً باستعادة محمية «بيرز آيرز» القومية، وهي عبارة عن تشكيلات نادرة من الأحجار والجبال ومواقع مقدسة للسكان الأصليين في الجنوب الغربي، وهي مساحة قلصها ترامب بنسبة 85% من المنطقة المحمية الأصلية. 

وتتوق «هالاند» لفرصة للقيام بشيء دائم الأثر. وقالت: «سأكون شرسة لأجلنا جميعاً، من أجل كوكبنا وأراضينا المحمية». وتقر «هالاند» أن عبء تاريخ السكان الأصليين هو ما يجعل اختيارها استثنائياً. وتؤكد أن «اللحظة عميقة حين نأخذ في الاعتبار حقيقة أن وزيراً سابقاً للداخلية قد زعم ذات يوم أن هدفه، نقلاً عنه بالحرف: تمديننا أو إبادتنا». وهي تشير في هذا إلى «ألكسندر ستيورات»، وزير الداخلية في إدارة الرئيس «ميلارد فيلمور» في بداية خمسينيات القرن التاسع عشر. وكلمة إبادة لم تكن مبالغة، فقد أحصى تعداد سكان عام 1900 أكثر من 237 ألفاً من الهنود الحمر في انهيار لعددهم بنسبة 90% تقريباً- في تقدير كثير من مؤرخي الأعراق- عن زمن أول وصول للأوروبيين. 

وبعض الأعمال الوحشية معلومة جيداً. كما هناك تجريم الحكومة ممارسة الهنود الحمر لشعائرهم الدينية. وهناك مناشدات متواصلة من مناطق الحكم الذاتي للهنود الحمر تطالب الأميركيين بألا ينظروا للهنود باعتبارهم مجرد مخلفات حية تقيم في ماضٍ مأساوي. وتستهدف «هالاند» تحقيق هذا قائلة: «لن أنسى أبداً أصولي، لكني أحب هذه الفرصة». وحتى إذا لم تستطع تغيير مسار التاريخ، فهي على وشك صناعة ولو قسط من التاريخ.
*كاتب أميركي حاصل على جائزة الكتاب القومية. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/01/01/opinion/native-american-secretary-interior-deb-haaland.html