لفت نظري تقرير صحفي نشرته «الاتحاد» الأسبوع الماضي تحت عنوان «2020 عام الاستبداد الأردوغاني»، ومن ينظر إلى حالة أردوغان الآن يدرك تماماً أنه لا يزال يعيش حالة عصابية منذ محاولة الانقلاب عليه عام 2016، والتي ما زال يذهب ضحيتها الكثير من الأتراك الرافضين لسياساته يومياً، اعتقالاً وتشريداً ومحاصرةً معاشية. هذه الحالة العصابية دفعته إلى اعتبار أي تحدٍ أمامه هو تمهيد آخر للإطاحة به، أو بمشروعه العثماني الجديد، الذي شهد انتكاسات كبرى أودت به، بعد أن تسلق على أحلام الشعوب العربية، عبر أداته الرئيسة («الإخوان المسلمون»). أي أن أردوغان تعاظمت شخصيته المضطربة حتى بات يعتبر أنه هو ذاته تركيا بتاريخها وحاضرها ودولتها، وذلك منذ أن أطلق فكرته المريضة أثناء خطاب جماهيري له في ديسمبر عام 1997 شعراً يقول فيه «مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذنا، مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا». 
وترتفع الحالة العصابية لدى أردوغان، خصوصاً مع نظرته التي تطابق النظرة الإيرانية باعتبار العالم العربي منطقة تمدد مصلحي تغيب عنها أية أدوار قيادية من داخلها، في حين أن تصاعد الدور الخليجي وتسلّمه زمام كثير من الملفات في العالم العربي، بات يحاصر الأدوار الخارجية وعلى رأسها الدور التركي. لذا تندفع تركيا في إقامة علاقات مع قوى إقليمية أو محلية معادية للدول الخليجية في محاولة لمنع استعادة الدور العربي. لكن إخفاق تيار الإسلام السياسي في التجاوب مع المعطيات التي قامت بعد بناء الدولة الوطنية التركية، دفعته للمطالبة باستعادة الماضي وخضوع العرب لقوة الاحتلال التركية، عوضاً عن الإقرار بفشله وحاجته إلى المراجعة. وهو ما جعل أردوغان يندفع سريعاً في تبني مشروع «الإخوان المسلمون» العرب، اعتقاداً منه أن ذلك سيمكِّنه من إعادة فرض هيمنته على عموم العالم العربي، كما تفعل إيران مع الجماعات الطائفية.
عندما كنت طالباً على مقاعد الدراسة، كان التعليم لدينا في الإمارات تحت سيطرة التنظيم الإخواني الفاسد الذي ساهم في الترويج لروايات تركية أسطورية كاذبة حورّت لنا الاحتلال العثماني الغاشم ضد العالم العربي، على أنه فتح وعهد إسلامي ناجح بعد انهيار العهدين الأموي والعباسي. وهذا ما طبقته بقية النخب العربية المتأسلمة، والتي صورت المسلمين العرب على أنهم شريك للسلطنة العثمانية، كما حصرت الإشكال بين السلطنة العثمانية والأقليات فقط، في محاولة لتأسيس هوية تنزع عن المنطقة مرتكزيها الأساسيين (العروبة والإسلام)، بمفهومهما الحضاري وليس الإثني.
لقد استطاع الأتراك ترويج كثير من مغالطاتهم داخل الشارع العربي، رافضين حتى الآن الخروج من العبء التاريخي، وتجاوز القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وعاجزين عن التصالح مع ذواتهم، ومع تاريخهم، ومع محيطهم. وعاجزين عن الإقرار بارتكابهم مجازر وانتهاكات واسعة، وبالتالي لم يقدموا أية محاولة اعتذار عن تاريخهم الدموي أو التصالح مع الشعوب التي كانت ضحايا له.
الدولة العثمانية بسلوكها الإجرامي تجاه كافة القوميات والأديان والمذاهب، طبعت تاريخ الإسلام بصورة إجرامية ما نزال نسعى لتنقيته منها، والعودة به إلى البعد الحضاري الذي نشأت عليه الحضارة العربية بتعددياتها الدينية والقومية. حيث إن الجرائم العثمانية ضد السكان كانت مخالفة لكل القواعد الإنسانية. وعليه، لا بد من الاشتغال على تنقيح التاريخ العربي من كل ما أُلحِق به من تزوير، وذلك بتكليف المؤسسات البحثية والجامعات العربية بهذه المهمة، وإمكانية إنشاء مؤسسة عربية خاصة برصد الجرائم التي وقعت بحق العرب من قبل العثمانيين. ومن ناحية حقوقية يمكن رفع ملف هذه الجرائم إلى المنظمات الدولية المعنية. وأخيراً، مطالبة السلطات التركية بالاعتراف بجرائمهم والاعتذار عنها.

*كاتب إماراتي