لم يشبه 2020، غيره من الأعوام، فهو لا يمثل مجموع 365 يوماً عادياً، بل هو أشبه بمساقات الدراسات العليا التي لا يمكن الوصول إليها إلا باجتياز متطلبها السابق، ذلك أن التداعيات هائلة العدد والتسارع مثّلت حقيبة مكتملة من الاختبارات الدقيقة والفجائية، لتطرح بذاتها- ودون انتظار أي جهة- مسائلة على السياسي، استفسارها عما إذا كانت «خططه» الإدارية لا تزال ملائمة، وللتربوي عما إذا سيصلح أساليبه في نقل العلم، وإنجاح عملية التعليم، وللإعلامي عما إذا أدرك حجم مسؤوليته، ومكانة التزامه بمهنيته، وللاقتصادي، عما إذا كان سينجح في إعادة رفع أسهمه، وإنعاش الركود القاتم، وللإنسان عما إذا أعادته الجائحة إلى إنسانيته!
العالم، اليوم وغداً يسعى إلى تجاوز جائحة كورونا، أو نسيانها، لكنه سيظل يقف عندها كحدث بارز هز «سكينة» العالم التي لم تكن قد اكتملت بعد، مستخدماً إياها (الجائحة)، في الحث على المواصلة في المواكبة والتحديث والتطوير، واستباق الأمور، وبناء السياسات والاستراتيجيات التي تهدف لإنجاز خططها في الوضع الطبيعي عامةً، وفي وقت الأزمات والطوارئ خاصةً، ذلك تماماً كما لا يزال العالم يقف عند كبرى الخسارات الفادحة التي أرّقته، وبخاصة الاقتصادية منها، والتي كان أولها «الكساد الكبير»، عام 1929، والتي تعتبر أسوأ أزمة اقتصادية شهدها العالم في القرن العشرين، ممتدةً بتداعياتها القاسية على طول عشر سنوات مشبعة بالخسائر، وتصاعد سلسلة من الإفلاسات، وتضاعف معدلات البطالة، ليبلغ عدد العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة وحدها ما يقارب 15 مليون شخص، وبعد 44 عاماً وفي فترة لا تعد طويلة بالنسبة لقياس تداعيات السابقة، انطلقت أزمة «الركود التضخمي»، أو صدمة أسعار النفط، متسببةً بإحداث انهيار في سوق الأسهم، وارتفاع التضخم، وغيرهما، آيلةً في نهايتها لسقوط حكومة المملكة المتحدة بعد مضي عام واحد عليها. 
كما تلى ذلك أزمة عام 1997، التي عانى العالمم من سرعة تفشيها، وعرفت بـ«أزمة أسواق شرق آسيا»، ليمر العالم بفترة جيدة نوعاً ما لترميم ما خلفته الأزمة، ولكن تعود الكرّة مرة أخرى، وسط أزمة «الرهن العقاري» عام 2008، لتشبه في قوة ما خلفت من انهيارات لحد كبير أزمة «الكساد الكبير». وبعد ذلك يقحم العالم في حقبة تشبه «سلسة» من الأزمات التي باتت تتسابق وصولاً لفرض نفسها على العالم، الذي لم يحظَ بعد بفرصة لتنفس الصعداء، فيرتطم عام 2009، بـ«أزمة اليورو» كنتاج صعب للأزمة التي سبقته، ممتدةً لتبلغ ذروتها في الثلاثة أعوام اللاحقة لها خلال الفترة (2010-2012). 
وبالنظر لكل الأزمات السابقة، وبما فيها جائحة كوفيد 19، التي دفعت 90 دولة للتقدم بطلبات للحصول على مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي إثر تداعياتها، فإن الجانب الاقتصادي الذي يعد من أقوى الأساسات والدعامات الضامنة لاستقرار وأمن العالم، يظل متحداً مع غيره من العوامل لإعادة الأمل، من خلال التلويح مراراً وتكراراً، والتأكيد على أن كافة الأزمات التي تصب في قلب الاقتصاد والمنظومة الأخلاقية وعلم «الانثروبولوجيا» بالدرجة الأولى، تدفع في اتجاه العناية الوافرة بتفعيل أسلوب الاستراتيجيات الأنجع للتصدي للأزمات. ورغم أن التناسق الكتابي للرقم (2020) كان قد ألهم كثيرين بتفرده وتميزه «من الناحية الإيجابية»، قبل أن يثبت العكس «بصورة سطحية»، فإننا نأمل بالقدرة على قلب الموازين، والوقوف مجدداً بهمة، تماماً كرقم واحد في عام (2021).
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة