يزداد المشهد التعليمي في دولة الإمارات العربية المتحدة ألقاً يوماً بعد آخر، وتمثلت إحدى صوره الرائدة بإطلاق «ائتلاف جامعات الإمارات للتعلم عبر الإنترنت ذي الجودة العالية» مؤخراً، وهي مبادرة تعدّ الأولى من نوعها في المنطقة، وتهدف إلى تطوير منصّات تعلم افتراضية مبتكرة يمكنها تعزيز برامج التعليم العالي لطلبة الجامعات في دولة الإمارات وزملائهم من حول العالم. 
وما يعطي هذا الائتلاف قيمة إضافية أنه يؤسس لتعاون وثيق بين وزارة التربية والتعليم التي تحتضن المبادرة وتمثل القطاع العام، ومؤسسة عبدالله الغرير للتعليم كشريك استراتيجي من القطاع الخاص، ونخبة من الجامعات الإماراتية من القطاع الأكاديمي تشمل كلًّا من: جامعة الإمارات العربية المتحدة، وجامعة خليفة، وجامعة زايد، وجامعة الشارقة، والجامعة الأميركية في الشارقة، وجامعة نيويورك-أبوظبي، وجامعة دبي، والجامعة الأميركية في دبي، والجامعة البريطانية في دبي. وستتيح مخرجات هذه المبادرة، التي سيبدأ العمل فيها مطلع عام 2022، إمكانيات غير محدودة قد تعيد معها صياغة أشكال التفاعل المعرفي بين المدرّس والطالب مستقبلاً، وتقديم صور من التعلم الذكي لم يكن من الممكن تحقيقها عبر وسائل التعلم الحالية.
والحاصل أن إطلاق هذا الائتلاف جاء في وقت تشهد فيه دولة الإمارات العربية المتحدة تميّزًا في التعافي من آثار جائحة «كوفيد-19»، ولكن ما تفضي إليه تبِعات الجائحة يقتضي التوجه إلى إنشاء بيئات ذكية تسهم في تحقيق رؤية القيادة الرشيدة في مواكبة المعرفة المتقدمة عبر أكثر السبل أماناً، وضمان أفضل الممارسات التعليمية باستخدام أحدث التقنيات المتطورة. 
ولا ينفصم إطلاق ذلك الائتلاف عن جهود الحكومة في الاستعداد لمستقبل ما بعد الجائحة، التي تسبّبت في التباعد ما بين بيئة التعليم والمتعلم. وكعادة دولة الإمارات دائماً في تجاوز مختلف التحديات، فإن الدروس المستفادة من هذه الجائحة كانت دوافع تميز استشرفت معها الإمارات وعبر تعاون وثيق بين مختلف القطاعات في الدولة منهجية متطورة للتعلم عبر الإنترنت ستسهم بفاعلية في تصميم مستقبل متقدم للتعليم العالي. وبالفعل، يمثل وجود مثل هذا الائتلاف خطوة مهمة في الارتقاء بجودة التعلّم عبر منصات رقمية يمكن للجامعات من خلالها تطوير برامجها المعتمدة وإتاحتها بسهولة عبر الإنترنت، الأمر الذي يعني بالضرورة توظيف مختلف التقنيات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وغيرهما، وبما يسهم في إثراء البيئات التعليمية وتوفير زخم معرفي يحقق أهداف التعليم العالي في الدولة وتطلعاتها المستقبلية. ولقد كان لرؤية القيادة الرشيدة بالتأكيد الأثر الأكبر في جرأة طرح مثل هذا النوع من المبادرات الرائدة، والتي يُتوقع أن تسهم بقوة في رفع مستويات تحصيل وبناء المعرفة، وبما يعمل على تمكين الأجيال القادمة من الطلبة ودعم تطلعاتهم نحو نجاحات تضاف لدولة الإمارات في عصر الثورة الصناعية الرابعة.
ومن المتوقع أن تنتهي الجهات المعنية في هذه المبادرة من تقييم الفرص والتحديات وتحديد الاحتياجات اللازمة لتطوير البرامج التعليمية عبر الإنترنت ضمن كل جامعة مشاركة أوائل العام الحالي 2021، وستستند في عملها هذا إلى أفضل المعايير العالمية من خلال التعاون مع هيئة مستقلة من مؤسسات عالمية متخصّصة في أمور تصميم وتقديم برامج التعلم عبر الإنترنت. وستعمل الجامعات بناءً على النتائج المستقاة على تعزيز قدرات أعضاء هيئة التدريس ومصمّمي البرامج التعليمية والعاملين التقنيين فيها على عمليات تصميم هذه البرامج وتطويرها، وبما يناسب مختلف احتياجات الطلبة ضمن بيئات التعلّم الافتراضية. 
إن مبادرة «ائتلاف جامعات الإمارات للتعلم عبر الإنترنت ذي الجودة العالية»، التي تقوم على أفضل المعايير العالمية، ستؤمّن منصة فاعلة تتيح التعاون بين الجهات الحكومية والأكاديمية والصناعية محليّاً وعالميّاً، وستمثل نقلة في مجالات التعليم العالي في دولة الإمارات، وستؤسّس لنظام تعليمي ذكي يتكيف بما تحتويه من تقنيات متقدمة مع مهارات وقدرات كل طالب. كل هذا من شأنه أن يشكل نموذجاً إماراتيّاً متقدّماً في بيئات التعلم، يُتوقع له أن يصبح مرجعية لكثير من نماذج التعليم العالي حول العالم مستقبلاً.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.