أعلن الاتحاد الأوروبي والصين عن موافقتهما السياسية على اتفاق يقضي بفتح السوق الصينية بشكل أكبر في وجه مستثمري الاتحاد، ما يمثّل خطوة كبيرة في المحادثات التي بدأت في عام 2013. 

ويؤشّر التقدم في المفاوضات بشأن الاتفاق حول الاستثمارات بين الاتحاد الأوروبي والصين إلى تصميم التكتل الأوروبي على التركيز على الفرص الاقتصادية في آسيا، حتى وسط المزاعم بحق بكين فيما يتصل بمسألة حقوق الإنسان. ويمكن أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ في أوائل عام 2022. 
غير أنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي، يمكن أن يثير الاتفاق حفيظة الإدارة الأميركية المقبلة، التي حثت الأوروبيين على التشاور معها على خلفية ممارسات الصين الاقتصادية. ومن شأن فشل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في صياغة موقف مشترك أن يمنح بكين امتيازاً، بينما يعيد الزعماء الغربيون تقييم العلاقات الجيوسياسية عقب رئاسة دونالد ترامب. 
وقال زعيما المؤسستين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي، شارل ميشال وأورسولا فون دير لين، في بيان الأسبوع الماضي بعد مؤتمر عبر الفيديو مع الرئيس الصيني شي جين بينغ: «إن هذا الاتفاق يكتسي أهمية اقتصادية كبيرة»، مضيفين: «لقد التزمت الصين بمستوى غير مسبوق من وصول مستثمري الاتحاد الأوروبي إلى السوق، ما يمنح الشركات الأوروبية اليقين والقدرة على التنبؤ من أجل عملياتها». 
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، فإن الاتفاق يوسّع وصول المستثمرين الأجانب إلى السوق الصينية في قطاعات مختلفة، من السيارات إلى الاتصالات. وعلاوة على ذلك، يعالج الاتفاق سياسات صينية تعتبرها أوروبا والولايات المتحدة مشوِّهة للسوق، من قبيل الدعم الحكومي لبعض القطاعات، وسيطرة الدولة على الشركات، والنقل الإجباري للتكنولوجيا. 
أما بالنسبة للصين، فإن الاتفاق يقوّي موقف البلاد كقوة جيوسياسية كبيرة، ويمكن أن يحدّ من المخاطر المترتبة على موقف أكثر صرامة من قبل الاتحاد الأوروبي إزاء الاستثمارات الصينية في أوروبا. كما أنه يعزّز دعوة بكين الطويلة إلى بدء مفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الذي يشدّد على اتفاق حول الاستثمارات أولاً. 
وكانت الصين صُنّفت ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في عام 2019 (بعد الولايات المتحدة)، بتبادل تجاري تبلغ قيمته أكثر من مليار يورو في اليوم. 
وقال «شي»، نقلاً عن وسائل إعلام رسمية، إن الاتفاق حول الاستثمارات «يُظهر تصميم الصين وثقتها في دعم مستوى عال من الانفتاح على العالم الخارجي، كما سيتيح للاستثمارات المتبادلة بين الصين والاتحاد الأوروبي وصولاً أكبر إلى السوق، وبيئة تجارية ذات جودة أعلى، وضمانات مؤسساتية أقوى، وآفاقاً أرحب للتعاون». 
إن إعلان الأسبوع الماضي يمثّل نعمة سياسية عالية المستوى بالنسبة للاتفاق بشأن الاستثمارات، والذي سيشمل الاستدامة البيئية أيضاً. ويخطط الجانبان لوضع آخر اللمسات عليه خلال الأشهر المقبلة. 
وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول يورغ فاتكه، رئيس غرفة التجارة التابعة للاتحاد الأوروبي في الصين، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إن من شأن اتفاق قوي أن يمثّل موقفاً قوياً يُظهر أن الاشتباك البنّاء يمكن أن يثمر نتائج». 
حين الانتهاء من صياغة شكله النهائي، سيحتاج الاتفاق لموافقة البرلمان الأوروبي، الذي عبّرت بعض الأصوات فيه عن اعتراضها عليه. غير أن الاتفاق يشمل تعهدات صينية بشأن معايير العمالة، وذلك بهدف معالجة بواعث القلق هذه، بما في ذلك المصادقة على اتفاقيات ذات صلة تدعمها الأمم المتحدة، وفق مسؤولين تابعين للاتحاد الأوروبي، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب الاستعدادات المتواصلة. وقال رينهارد بوتيكوفر، وهو عضو في البرلمان الأوروبي من حزب الخضر الألماني، لـ«تلفزيون بلومبيرج»: «إن إعطاء برلمان الاتحاد الأوروبي موافقته (على الاتفاق) ليس من المسلّمات»، مضيفاً: «إننا نعتزم تدقيقه تدقيقاً صارماً». 

ومن جانبها، أشّرت الإدارة الأميركية المقبلة أيضاً إلى تحفظات، على الأقل بشأن توقيت الاتفاق. وكان جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، قد حثّ في 22 ديسمبر الماضي على «مشاورات مبكرة مع الشركاء الأوروبيين حول بواعث قلقنا المشتركة بشأن ممارسات الصين الاقتصادية». 
وتُبرز هذه التطورات تيارات مضادة عالمية بعد أن زعزع ترامب نظام ما بعد الحرب خلال السنوات الأربع الماضية من خلال تهميش منظمة التجارة العالمية، وشن حرب رسوم جمركية ضد الصين، وفرض رسوم جمركية مثيرة للجدل على واردات حلفاء للولايات المتحدة في أوروبا أو التهديد به. 

ويذكر هنا أنه حينما توصلت إدارة ترامب في يناير 2020 لاتفاق بشأن المرحلة الأولى من اتفاق تجاري مع الصين، يخفّف من حربهما المضرة اقتصادياً، كان الاتحاد الأوروبي قد انتقد الاتفاق باعتباره «نتيجة تجارة موجَّهة» قد تشكِّل خرقاً لقواعد منظمة التجارة العالمية وتستحق طعناً قضائياً.

جوناثان ستورنز*

*كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»