هذه هي السطور الأولى في العام الجديد ونحن نسأل المولى أن يكون عام رحمة ورأفة من السماء لسكان الأرض، وأن يرفع الله تعالى جائحة كوفيد -19، تلك التي بدلت راحة العالم إلى شقاء، وسلامه إلى خوف وهلع. جرى العرف في نهاية كل عام أن يتطلع القارئ إلى ما يعرف بحساب الحصاد، وهو أقرب ما يكون إلى جردة حساب لأهم الأحداث التي شكلت توجهات البشرية جغرافياً وديموغرافياً في الأشهر الاثني عشر المنقضية، وعليه نتساءل عن الحدث الأهم والأكبر الذي عرفه الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي في العام الفائت.
السلام الإبراهيمي الذي فتحت له الإمارات أبواباً واسعة مع دولة إسرائيل، هو أهم تلك الأحداث وأعظمها أثراً، في مسيرة نماء واستقرار المنطقة الشرق أوسطية عبر عقود طوال قائمة.
منذ عام 1947 والقضية الفلسطينية سائرة حائرة، ولم تلح في الأفق لحظات حقيقية للحل والانفراجة سوى مرتين فقط لا غير طوال ثمانية عقود. كانت المرة الأولى في أواخر سبعينات القرن العشرين، حين قام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بزيارته التاريخية إلى القدس، والتي تبلورت معها اتفاقية كامب ديفيد، وقد دعا القيادات الفلسطينية للشراكة والتفاوض جماعة للحصول على الحقوق التاريخية التي كادت تضمحل مع مرور الزمن، لكن الشعارات الجوفاء انطلقت متهمة الرجل وأطلقت ضده صيحات حنجورية، وفق منطق الطبلة والربابة التي ما قتلت ذبابة على حد تعبير الراحل الكبير نزار قباني.
ولعل السلام الذي بادرت به الإمارات هذه المرة كان محاولة عربية ناجحة في استنقاذ ما تبقى من أوراق أعدل قضية معاصرة، فقد أوقفت الزحف الذي انتوى اقتطاع أراض من الضفة وغزة، الأمر الذي معه كانت ستضيع بقية ما يمكن أن تقوم عليه دولة فلسطينية مستقلة. بل بضعة أيام وعلى شاشة شبكة الأخبار الأميركية «سي.إن. إن»، كان الجنرال عظيم الشأن «ديفيد بتريوس»، الحاصل على دكتوراه العلوم السياسية من جامعة «يل» الأميركية الشهيرة، يتحدث عن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، واصفاً أياها بالتاريخية والمهمة جداً، والسؤال ما الذي يمكن أن يجعل الأمر على هذا النحو بالفعل؟
الاتفاقية فتحت مسارب للحياة في منطقة اشتهرت بالموت، وفي الوقت نفسه سعت ولا تزال لطرح قيمة غالية وعالية، أي قيمة السلام، لتكون هي معيار المفاضلة مع غيرها من المنطلقات التي عرفتها المنطقة.
 السلام أكثر عبئاً من الحرب، فالأخيرة مواجهة بالنار والمرار والدمار، وعلى بشاعتها فإن مسالكها معروفة. أما السلام فدروبه واسعة، وحصونه عالية، إذ أنه يمنع التفكير في الحرب، ويضع على طاولة الجميع أكلاف الخسائر في حال التخلي عنه. اليوم ومع الاتفاق الإبراهيمي، ها هي الكثير من الأبواب تفتح، ومسارات الحياة الطبيعية تبدو قريبة منها. غير أن المشهد لا يتوقف عند هذا الحد، ولا يمكن أن يُعد المشهد مكاسب خالصة لإسرائيل، ففي المقابل المطلوب منها عدالة تجاه القضية الفلسطينية، وناحية إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني. الخلاصة: الإمارات تعيد كتابة وجه المنطقة.
*كاتب مصري