بحلول منتصف الليل اليوم، يكون العالم قد طوى سنة صعبة ومؤلمة للغاية، تدهورت فيها الحياة على جميع المستويات بسبب فيروس كوفيد-19، والذي أدى عملياً إلى توقف الأنشطة بصورة لا سابق لها، حتى في ذروة الحربين العالميتين والكساد الكبير بثلاثينيات القرن الماضي، إذ حتى في أوج محاصرة القوات النازية لمدينة سان بترسبورغ «ليننغراد» سابقاً، كانت الأسواق مفتوحة والمواصلات العامة تعمل بحدها الأدنى. أما ما حصل في 2020، فقد كان استثنائياً بكل المقاييس.
بالإضافة إلى انتشار حالات الذعر، فقد ألحق كورونا أضراراً كبيرة باقتصادات مختلف البلدان، وفقد كثيرون حياتهم والعشرات من الملايين وظائفهم ومصادر رزقهم، مما أثار تساؤلات حول المستقبل الاقتصادي في العام الجديد، وبالأخص بعد توفر اللقاحات وتعميمها، حيث سنكتفي هنا بالتطرق إلى دولنا الخليجية، والتي تضررت بدورها من الجائحة بصورة مزدوجة، سواء بتوقف ومن ثم تباطؤ الأنشطة الاقتصادية، والتي أحدثت انكماشاً بنسبة كبيرة بلغت 12%، أو سواء بالتراجع الكبير في أسعار النفط والتي تدنت إلى 16 دولاراً للبرميل، نزولاً من 50 قبل الأزمة.
ومثلما كان التأثير السلبي مزدوجاً، فإن التعافي سيكون مزدوجاً أيضاً، فمن ناحية ستعاود الأنشطة الاقتصادية أعمالها بصورة تدريجية خلال العام الجديد، أما أسعار النفط، فقد سبقت ذلك لتستقر قبل نهاية العام فوق 50 دولاراً للبرميل، وهو المعدل الذي سبق الجائحة، مما يعني أن معدلات النمو في دول مجلس التعاون في عام 2021 ستتخطى مثيلاتها في معظم دول العالم.
وفي الوقت الذي بلغ فيه متوسط الانكماش في عام 2020 نسبة 3.5% وهو معدل أقل من مثيله في البلدان المتقدمة، فإن النمو المتوقع في العام الجديد سيبلغ 3 – 4%، وهو معدل مرتفع نسبياً ويشير إلى فعالية تعامل دول المجلس مع الأزمة منذ بدايتها.
وللمزيد من التوضيح، فإن مسألة التعافي ستأخذ فترة زمنية ستتجاوز عام 2021، إلا أن طريق التعافي سيأخذ منحىً تصاعدياً، إذ أن التعامل مع تداعيات العام الماضي لن تكون سهلة، فالعجوزات في الموازنات السنوية تجاوزت 11% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن هذه العجوزات ستنخفض إلى النصف في هذا العام، لتتراوح نسبها ما بين 3.5% - 4% وهي نسب مقبولة وفي حدود السيطرة، كما أن هذه العجوزات قابلة للانخفاض أكثر إذا تجاوز سعر برميل النفط 50 دولاراً والعكس صحيح.
أما القطاعات الأكثر تأثراً، والتي ستستغرق مسألة تعافيها فترات أطول، فهي القطاع المصرفي والمالي بسبب صعوبة تحصيل الديون السيئة، وكذلك القطاع العقاري والسياحي والنقل الجوي، في حين ستتوفر فرص جديدة ومجدية للقطاع الخاص الذي تضرر بشدة من جراء أزمة كوفيد-19.
بشكل عام، ستتحسن اقتصادات دول المجلس بصورة كبيرة في عام 2021، حيث يعود ذلك في جزء كبير منه إلى تحسن أسعار النفط من جهة، وحسن تدبر دول المجلس مع تداعيات الأزمة في العام الماضي من جهة أخرى من الناحيتين الصحية والاقتصادية، فمن الناحية الصحية تعاملت هذه الدول بمسؤولية كبيرة بشهادة المنظمات الدولية، وبالأخص منظمة الصحة العالمية، مما أدى إلى الحد من التأثيرات السلبية، بل إن كلاً من السعودية والإمارات والكويت قدمت مساعدات كبيرة للدول المتضررة لتقويتها على مواجهة تداعيات الأزمة، حيث تجاوز عدد الدول التي تلقت مساعدات صحية إماراتية العام الماضي 120 دولة.
أما اقتصادياً، فقد ضخت دول المجلس 400 مليار دولار تقريباً لدعم مختلف القطاعات ومحاولة إنعاشها من جديد، وهو ما قلل من التأثيرات السلبية، حيث بذلت جهوداً كبيرة لمعالجة مختلف القضايا، غير عابئة بحملات التشكيك والتشويه والتحريض التي مارستها العديد من وسائل الإعلام الغربية والإقليمية التي لم تكن بلدانها في تعاملها مع أزمة كورونا ترتقي إلى مستوى تعامل دول الخليج العربي المرن والعقلاني، وهو ما يدعو إلى التفاؤل بقدرة دول المجلس على نجاحها في تخطي صعوبات الأزمة في العام الجديد، مثلما نجحت بصورة مدهشة في تجاوز فترة الأزمة الصحية، متمنين للجميع سنة جديدة يتمتعون خلالها بالصحة والسلامة. 
*مستشار وخبير اقتصادي