بين الرهانات والارتهانات، الداخلية والخارجية، بين المشاركة والمغالبة (بين المتلاعبين).. تتهاوى أوراق الحلول وسط المبادرات (الفرنسية، العربية، الفاتيكانية).
صحيح أن الرهانات على الخارج قد تكون ضرورية أحياناً، إذا كان هذا الخارج يقدم ما يقدم من الأجوبة الشافية والمفيدة، إلى دولة موجودة ومستقلة، وزعماء يمحضون ولاءهم الشعب والوطن، لكن ماذا نفعل إذا كانت هذه الرهانات مجرد ارتهانات، يتحكم بها الخارج؟ 
كلنا نعلم أن تاريخ لبنان منذ أواسط القرن التاسع عشر، وحتى اليوم، يرتبط برهانات القوى المذهبية وغير المذهبية بالخارج، كخضوع لمصالح هذا الخارج في البلد.
من هنا نرى أن كل الأحداث الدموية والصراعات باعتبارها مؤامرة أو «تدخلاً» أو اختراقاً، تحت شعار الغلبة لهذا الفريق أو لذلك الحزب، تصدر في العمق عن غلبة القوى الخارجية على مقدرات الوطن، بكيانه وسيادته ووحدته. وقد استمر ذلك على امتداد أكثر من 160 عاماً، ومازال مستمراً في محطات أساسية: أحداث 1958 بين أنصار حلف بغداد (الموارنة) وقابله «عدم الانحياز»، وحرب عام 1975.. وتغيرت عبر كل ذلك السحن، والدول، بحيث أصبح لبنان مجرد ورقة خارجية تشهرها القوى الداخلية، حيث لم يتغير الوضع كثيراً اليوم. فبعد خروج الوصاية السورية من لبنان (بضغط ثورة 14 آذار) حلت محلها «المقاومة» الراهنة التي ترتبط بإيران ارتباطاً عضوياً. نحن اليوم في هذه النقطة بالذات، أي النقطة التي بات يسيطر فيها حزب إيران على كل مفاصل الدولة اللبنانية لتصبح جزءاً من «دولة الحزب». وإذا عدنا إلى كل الاستحقاقات الحكومية والرئاسية، وجُل القرارات الأساسية، نجد أنها كانت تصب عند إرادة هذا الحزب، بسلاحه وماله وقوته المذهبية.. وهذا ما يجري اليوم في فصول تأليف الحكومة بكل مندرجاته ومناوراته وضغوطه. فالمسألة كلها في يد الحزب، الظاهرة والمضمرة، وإن حاول التظاهر بأن الصراعات هي لبنانية لبنانية، أي بين زعماء لبنانيين! ونظن أن كل الرهانات على الخارج، خصوصاً المبادرة الفرنسية الأخيرة، وكذلك الفاتيكانية (عبر البطريرك الراعي)، لن تحقق شيئاً، لأن الرهانات محسومة لنتائج المفاوضات حول النووي الإيراني بين الرئيس الأميركي المنتخب (بايدن) وبين إيران، ولبنان هو الورقة. وقد رأى العديد من المراقبين أن إيران لن تُهدي تأليف الحكومة إلى ترامب، بل إلى بايدن، لمقايضته بمطالب أو بأثمان. فلا الرئيس عون (رهانه بارتهانه للحزب) ولا سعد الحريري (رهان على المبادرة الفرنسية) ولا المعارضة (جلها على رهانات أيضاً وارتهانات لهذه الجهة أو تلك).. يمكن أن يقرروا هذا الاستحقاق، رغم انهيار البلد اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وهنا بالذات يمكن القول إن نجاح الحزب في عزل لبنان عن محيطه العربي، جعله يستفرد به ويفترسه وحده. فلبنان الهش يعاني عزلةً لم يعرفها في تاريخه.. وكلما لمع بارق بتدخل عربي، أو غير عربي، يطفئه «حزب الله»، لتكون الكلمة الفاصلة له، أي لإيران.
وهنا السؤال: متى ستتألف الحكومة؟ وهل يكون ذلك في المدى القريب؟ أمل الناس أن تبصر النورَ قبل عيد الميلاد، فكان ذلك سراباً.. ونظن (وكل ذلك من باب الاحتمالات) أن الوضع سيبقى معلقاً، حتى ما بعد تسلم بايدن مهامه الرئاسية في الشهر المقبل: يبقى الحريري مكلَّفاً، وتبقى حكومة تصريف الأعمال حكومة تصريف.. وبين هذا وذاك، لا بأس أن تجري مناورات، وتقفز «تفاؤلات» وتندلع معارك سياسية.. فهذا كله جزء من لعبة «الحكومة المستحيلة».