عام مختلف.. سنة سيئة.. عام ليس مثل غيره.. هذه، وغيرها، صفات أُلصقت بعام 2020 بسبب جائحة كورونا التي لم يعرف العالم مثلها من قبل. صحيح أن الأوبئة والجوائح التي عانى البشر ويلاتها كانت كثيرة على مر تاريخهم. لكن آخرها كان قبل قرن تقريباً، عندما حصد نوع من الإنفلونزا أُطلق عليه «الإنفلونزا الإسبانية» حياة عشرات الملايين بين بداية عام 1918 ومنتصف عام 1920. ولم يكن غالبية سكان العالم في عام 2020 موجودين عندما حدثت تلك الجائحة، ولم يعرف معظمهم، ولا سمعوا، شيئاً عنها إلا بعد أن أدت جائحة كورونا إلى ازدياد الاهتمام بما قبلها. 
وليس هذا العامل الوحيد الذي يجعل 2020 سنة مختلفة. لم يحدث من قبل أن نال حدث واحد اهتمام البشر جميعهم في كل مكان. وحتى الحربان اللتان سُميتا عالميتين في القرن الماضي كانتا أوروبيتين بالأساس، ولم تلقيا اهتماماً يُذكر في كثير من أنحاء العالم. كما لم يحدث من قبل ما يماثل حالة التعبئة الراهنة في قدرات دول العالم في الوقت نفسه لمواجهة الجائحة وتداعياتها.
لم يكن العالم قد تجاوز بعد مرحلة الثورة الصناعية الأولى عندما ضربته «الإنفلونزا الإسبانية». لكن عندما ظهر فيروس كورونا وأدى خلال أسابيع قليلة إلى وباء فجائحة، كان العالم قد بلغ الثورة الصناعية الرابعة، وصار على مشارف الخامسة.
وخلق التقدم المهول الذي ترتب على الثورة الرابعة في وسائل الاتصال حالة تفاعل كامل وشامل مع جائحة كورونا، منذ أن بدأ خطرها يزداد. تابع الناس في أنحاء العالم، ولا يزالون، تطورات هذا الخطر، ومعدلات انتشاره، وانغمسوا في البحث عن سبل الوقاية منه، وكيفية التعامل معه.
ومن طبائع الأمور أن يزداد الشعور بأي خطر عندما يُتابع على الهواء، خاصةً حين يضرب من دون إنذار سابق، إذ لم يتوقعه أحد حتى نهاية 2019، ولم يحدث بالتالي أي استعداد لمواجتهه قبل حدوثه. وعندما نعود إلى تقارير الأخطار العالمية لعام 2020، التي نُشرت في النصف الثاني من 2019، نجد أن خطر الأمراض المعدية والأوبئة إما جاء في ترتيب متأخر للغاية، أو لم يرد على الإطلاق. لكن أهوال عام الجائحة أدت إلى اعتلاء هذا الخطر قائمة الأخطار المتوقعة عام 2021.
وبخلاف الإخفاق في توقع خطر كورونا عشية عام 2020، يتبين في نهايته صواب توقعات طُرحت في بدايته، وخاصةً تلك المتعلقة بالتداعيات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على الجائحة. حدث ركود في الاقتصاد العالمي كما كان متوقعاً نتيجة وقف غير قليل من الأنشطة لفترات متفاوتة، وخروج عدد معتبر من الشركات الصغيرة والمتوسطة من السوق في كثير من الدول، واضطرت الحكومات إلى توجيه موارد أكبر نحو برامج الرعاية سعياً للحد من الآلام الاجتماعية لتداعيات الجائحة، وتقلص بالتالي حجم الإنفاق الاستثماري في الأغلب الأعم.
وتراجعت التجارة العالمية كما كان متوقعاً، وإن لم تصدق معظم التوقعات بشأن معدلات هذا التراجع، إذ تبين في نهاية العام أنها أقل مما ذهبت إليه معظم التوقعات. خذ مثلاً توقع منظمة التجارة العالمية في أبريل 2020 أن يصل هذا التراجع إلى نحو 13%، في حين أنه بلغ 9.2% فقط حتى أكتوبر وفق تقدير المنظمة نفسها.
ويفيد تأمل المعطيات المتعلقة بتداعيات الجائحة في نهاية 2020 أن توقع المنظمة في أبريل الماضي استعادة النمو في التجارة العالمية عام 2021 يمكن أن يتحقق، رغم حالة التشاؤم الغالبة الآن في أجواء أوروبا بصفة خاصة بسبب حدة ما يعَد موجة ثانية في تطور الجائحة. 
وحتى إذا تبين أن نسبة النمو في عام 2021 أقل من التوقعات، فستكون استعادة هذا النمو أحد مظاهر النجاح في استشراف المستقبل القريب في ظروف استثنائية بالغة الصعوبة، خاصةً أن هذه التوقعات جاءت في وقت مبكر، حين كانت تجارب ابتكار لقاحات واقية في مهدها. كما كانت التوقعات بإمكان إحراز تقدم كبير فيها قبل نهاية العام محدودة بل نادرة. لذلك ربما يجوز القول إن نجاح تلك التوقعات، وإنتاج أربعة لقاحات والشروع في استخدامها فعلاً، إلى جانب صحة الاتجاه العام للتوقعات الاقتصادية والاجتماعية، قد يكون تعويضاً عن الإخفاق في إدراج خطر الأوبئة في مرتبة متقدمة في تقارير الأخطار العالمية لعام 2020.