يلملم عام 2020 أوراقة الأخيرة ويستعد للرحيل تاركاً لنا خلفه رصيداً من الذكريات الموجعة أحياناً والسعيدة أحياناً أخرى. يرى الجميع أنه عام حمل لنا الكثير من الأحداث التي صاحبت جائحة «كوفيد 19»، والذي أجبر الإنسان على التراجع أمام قسوة هذا الفيروس الذي نجح في أن يصيب البشرية بالذعر والارتباك الشديد وفرض سطوته على وسائل الإعلام كافة، وأصبح هو حديث الساعة وضيف شرف على كل الموائد الإعلامية مرئية كانت أو مكتوبة، حتى خلال فضاء شبكات التواصل الاجتماعي كان هو المسيطر على الساحة، وأصبحت الجائحة تمثل تهديداً مباشراً للوجود البشري.
يرحل العام، ويترك لنا بعضاً من صفحاته مفتوحة تنتظر نقطة النهاية وإغلاق الصفحة، والتي يبدو أنها ترافقنا خلال عام 2021، ولكنها ترافقنا بصورة مختلفة بنجاح إنساني في المواجهة. نجاح اعتمد على العلم وعلى جهود العلماء، وصار الصراع مع الفيروس صراع مراوغة وتحور، ولكن يبقى العلم هو درعنا الذي احتمينا به.
تأملت وتساءلت: هل كل تلك الزوايا التي نرى منها عام 2020 هي زوايا سيئة؟ أو ليس هناك زوايا أخرى يمكننا أن ننظر لها بإيجابية؟
دائماً لديّ يقين بأن هناك وجهاً إيجابياً لكل لحظة نظنها سلبية بالمطلق. وللجائحة التي مرت بنا خلال عام 2020 جوانب إيجابية متعددة لم تكن كلها سلبية.
ومن أهم هذه الجوانب أخص بها مجتمعاتنا العربية، حيث أدرك الإنسان قيمة العلم ودوره الحقيقي في الحياة. فكان الجميع ينتظر كلمة العلم، ويتطلع لجهود العلماء في مكافحة الجائحة والتخلص من آثارها، وتوجهت الوجوه ناحية المعامل تنتظر انتصاراً للعلم. ومع نهاية العام، ترتفع راية انتصار العلم، ولكن لنعلم أن الفيروس لن يستسلم بسهولة، والعلم أيضاً لا يستسلم بسهولة. وهذا يأخذنا إلى قيمة العقل وأهمية بناء العقل المبدع العالِم الذي لا يستسلم للخرافات التي تحبسه داخل قفص من المسلمات المزيفة، والتي تحد قدرة العقل على الإبداع والابتكار، وتجعله يستسلم انتظاراً لمعجزة السماء، دون أن ندرك أن معجزة السماء الحقيقية، هي ذلك العقل الذي منحه الله إياه.
والإيجابية الثانية التي خلفتها جائحة «كوفيد 19» في عام 2020 تتمثل في استكمال المنظومة التكنولوجية في العملية التعليمية، فقد كان التعليم المباشر هو السائد، وكانت هناك حالة عدم ثقة بشكل كبير في العلمية التعليمية، التي كانت تجرى من خلال «الإنترنت»، وعبر منصات الاجتماعات الافتراضية ظلت فترة زمنية طويلة حبيسة جزء صغير من العملية التعليمية. ولكن مع توقف التعليم المباشر والاتجاه نحو التعليم عن بُعد، اكتسبنا خبرات كبيرة في منظومة التعليم عن بعد وهذا بالتأكيد على مدار السنوات القادمة سيدفع التكنولوجيون وعلماء التربية وعلم النفس إلى بحث ودراسة هذه التجربة وعمل تحسينات تساهم في علاج بعض السلبيات، وهذا بالتأكيد سينعكس بصورة إيجابية كبيرة على مستقبل التعليم، وخصوصاً في ظل تهديدات تتعرض لها البشرية، وتعقيدات الحياة التي تزداد مع التطور المتسارع.
ونأتي لإيجابية أخرى، فقد خلقت حالة العزلة نوعاً من الروابط الأسرية الجديدة المحفزة على تدعيم الروابط الأصيلة التي تربط أفراد الأسرة، فكان الوجود في المنزل فترة طويلة من الزمن فرصة ليعيد أفراد الأسرة اكتشاف العلاقات الإنسانية والمجتمعية التي تربطهم مع بعضهم، وتخلصوا من نمطية الفردية التي كادت أن تكون هي المسيطرة على أفراد الأسرة الواحدة داخل المجتمع، وزادت مساحة الالتصاق بين الأم والأبناء، وخاصة خلال متابعة العملية التعليمية.
تظل من أهم الإيجابيات التأكيد على قدرة قيادتنا على استشراف المستقبل، والعمل على تدعيم كل ما هو قادر على تجاوز الحالات الطارئة، فلا يمكن أن نغفل قوة البنية التحتية التكنولوجية لدولة الإمارات العربية المتحدة التي كان لها دور كبير جداً في تدعيم عملية التعليم عن بُعد، وممارسة كافة النشاطات المعرفية والفكرية والثقافية من خلال الفضاء الافتراضي لشبكة الإنترنت. وأيضاً الاستعداد بالمخزون الاستراتيجي الذي يجعل من الكلمة التي قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، «لا تشلون هم» تخرج من إطار كونها كلمة إلى كونها استراتيجية متكاملة تعمل عليها قيادتنا الرشيدة، وتبني عليها كل خططها لمستقبل الشعب الإماراتي وكل إنسان يقيم على أرضها.

*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي.