لم يعد هنالك شك في أن الحروب السيبرانية تحولت إلى حروب عسكرية بين دول وشركات كبرى ومؤسسات، وتنتقل من كونها حرب معلومات لتصبح، وفقاً لخبراء بريطانيين، «أكثر دماراً من التفجير الذري». وهو ما يضع دول العالم أمام أولوية لم تكن تحظى بمستوى عال من الأهمية مثلما هي الآن.
إن المطلوب اليوم هو تطوير المهارات الاحترافية للكوارد العاملة في منظومات مكافحة القرصنة الإلكترونية، بحيث تكتسب القدرة العالية لمواجهة الهجمات السيبرانية. ولعله بإمكان المرء أن يتخيّل جزءاً من المشهد في الإعلان المفاجئ لشركة «مايكروسوفت» الذي ذكرت فيه أن هجوماً للقراصنة استهدف أكثر من 40 منظمة في الولايات المتحدة ودول مختلفة حول العالم. وقال رئيسها «براد سميث»: إن 80 بالمئة من هذه الشركات تقع في أميركا وبلجيكا وكندا وإسرائيل والمكسيك وإسبانيا وبريطانيا ومنطقة الخليج.
وكان خبير أمن المعلومات «رودريغو بيجو» قد دعا دول العالم في قمة الحكومات التي عقدت في الثاني عشر من فبراير 2019 بدبي، إلى وضع معايير وضوابط لإحباط مثل تلك الهجمات الإلكترونية، مؤكداً أن «الحروب السيبرانية يمكن أن تؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة». بل وضع بعداً جديداً للحروب السيبرانية بقوله: «إن تلك الحروب سوف تتعدّى عملية القرصنة البسيطة إلى التلاعب بنسيج المجتمع». 
إن الحروب السيبرانية تركز في الأساس على تدمير الأنظمة الإلكترونية، وإذا ما تحقق لها ذلك، فإن محطات ضخ المياه والهواتف ومحطات الإذاعة والتلفزة والاتصالات ستتوقف، ومراكز الطاقة ستُشلّ، وتنهار الأنظمة المالية وعمل البورصات. إنها صورة قاتمة بلا شك، لكن هل يمكن فهم خطر على هذا المستوى؟ 
وكالة «رويترز» بثت خبراً في الـ15 من ديسمبر الجاري يفيد بأن مستشار الأمن القومي الأميركي «روبرت أوبراين» قطع زيارته الأوروبية عائداً إلى واشنطن «للتنسيق من أجل الرد على هجوم (سايبر) واسع النطاق وعالي المستوى». والحدث، وفقاً لـ«رويترز»، أن وزارتي الخزانة والتجارة تعرضتا لهجوم إلكتروني من مجموعة «هاكرز». 
والسؤال المقلق هو: ما الذي يضمن أن أولئك الـ«هاكرز» لن يصلوا يوماً إلى الأنظمة التي تدير مخزون الأسلحة النووية؟ السؤال أثارته مجلة «بوليتيكو» الأميركية في عددها الصادر في 17 ديسمبر الجاري.
لا خيار اليوم سوى دعم الجهود الدولية الداعية إلى التعاون والتنسيق في مكافحة القرصنة الإلكترونية التي قد تتحول إلى حروب سيبرانية طاحنة.