للمرة الرابعة عشرة، التقى سعد الحريري المكلَّف بتشكيل الحكومة، برئيس الجمهورية، للتناقش معه في التشكيلة التي اقترحها للحكومة المرتقبة. وبحسب الدستور اللبناني فإنّ رئيس الحكومة الذي تكلّفه الأكثرية النيابية يكون عليه أن يعرض تشكيلته على الرئيس، الذي إن وافق عليها يُصدر مرسوماً بالتشكيل، ليذهب رئيس الحكومة بعدها إلى مجلس النواب للحصول على الثقة، وبدء أعمال الحكومة. وكانت الآمال كبيرةً بسرعة تشكيل الحكومة، إذ جرى الاتفاق على أن تكون المبادرة الفرنسية القائلة بحكومة اختصاصيين غير حزبيين هي الأساس. والمفروض أيضاً أن الأطراف السياسية اللبنانية كلها كانت قد وافقت على ذلك. إنما الذي يجري منذ قرابة الشهر ونصف الشهر أنّ الرجلين يلتقيان ويتناقشان في الأشخاص والحقائب. ويقال إنّ المواقف متقاربة، وإنّ الدخان الأبيض سيتصاعد. لكن للمرة الرابعة عشرة، ما أمكن الاتفاق. فعلى ماذا اختلف ويختلف الرئيسان؟ 
رئيس الجمهورية وفريقه وبعكس ما تعهدوا به للرئيس ماكرون، ما وافقوا على المواصفات المرادة. فالرئيس يريد تعيين الوزراء المسيحيين، ويريد حقائب معينة يصعب عليه التنازل عنها. وقد تنازل الحريري بعض الشيء حين وافق مسبقاً على أن يكون وزير المالية شيعياً، وإن يكن غير حزبي. ثم بدأ يتنازل للرئيس في تسمية وزراء وحقائب لكنه لا يريدها أن تبلُغَ الثلث المعطّل، لكن الرئيس مُصر على الأمرين. وفي اللقاء الثالث عشر عاد الحريري للتنازل بأن يقترح الرئيس مسيحياً سادساً من «جماعة الحريري»! لكنه هناك أيضاً ما لبث تحت تأثير مستشاريه وفي طليعتهم صهره جبران باسيل أن أصرَّ على تسمية الستة من مُحازبيه، كما أصرّ على أن تكون من حصته وزارتا الداخلية والعدل، ليظلَّ مسيطراً على الأمن والقضاء! 
وهنا يقول الإعلاميون إنّ الحريري لا يستطيع الموافقة على ذلك، كما لا يستطيع الاعتذار. فالثلث للرئيس يعني قابلية الحكومة للسقوط عندما يريد. ووزارة الطاقة لا يمكن إعطاؤها للرئيس، لأنّ وزراء الرئيس وباسيل في الطاقة منذ العام 2008 هم المسؤولون عن عدم تحقق مشروعات إصلاح الكهرباء وعن بلوغ ديون الكهرباء أكثر من نصف الدَين العام. وبالطبع فإنّ الرئيس إن حصل على وزارة العدل، فسيزيد من الاستخدام للقضاء في ملاحقة المعارضين بحجة مكافحة الفساد، وبخاصةٍ أنه بدأ بذلك بالفعل، باتهام إداريين وسياسيين وحاكم المصرف المركزي، وجلبهم واحداً إثر آخر إلى القضاء لمحاكمتهم بتهمة الفساد أو الإثراء غير المشروع! ووزارة الداخلية تسيطر على القوى الأمنية. وقد كان الحريري يريد إعطاءها لمسيحي أرثوذكسي معروف بحُسن السمعة، بينما يريد الرئيس عون أن تُعطى لماروني من أتباعه.
إن المهمّ أنّ الأوضاع في البلاد تزداد سوءاً، والبلاد بلا حكومة عملياً لأن حكومة تصريف الأعمال قليلة الصلاحيات. وقد بدأت احتياطات المصرف المركزي تتآكل، وقد انخفضت العُملة إلى أقلّ من عشرين بالمائة من قيمتها، والأسعار هائلة الارتفاع، والمواطنون بنسبة 60% صاروا تحت خط الفقر، بسبب الانهيارات وبسبب كورونا. 
الحريري إذن لا يستطيع التنازل أكثر لأن الحكومة تفقد معناها، ولا تتمكن من إجراء الإصلاحات المطلوبة، كما أنّ الدوليين لن يتعاملوا معها ويعاونوها مالياً. وهو لا يستطيع الاعتذار كما يفعل المكلَّفون عندما لا يتمكنون من تشكيل الحكومة بسبب اعتراضات الفرقاء السياسيين، أو بسبب اعتراض رئيس الجمهورية- لا يستطيع الاعتذار بالفعل لأن أنصاره سيدينونه بشدة، كما أنه عندها سيحدث «الارتطام الكبير» الذي يُصدّع النظام اللبناني بكامله، فضلا عن الفوضى التي تنال من الأمن، كما نالت من معيشة المواطنين.
ما الذي سيحدث الآن؟ لن يحدث شيء بالطبع لجهة تشكيل الحكومة، وستستمر الأوضاع بالتردي، وبخاصة أنّ مراقبين يزعمون أن لإيران يداً في التفشيل، فهي تريد التأخير لحين تولي بايدن الرئاسة ليروا ماذا سيعرض عليهم.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -الجامعة اللبنانية