لم تكن سنة 2020 عادية بأي حال من الأحوال، ففيها أحداث عالمية سيظل تأثيرها قائماً لسنوات قادمة، لأنها جاءت مفارقة لما مضى من أفعال وتدابير على مدار سنوات طويلة، وبدت أحداثاً مشحونة بقوة دافعة في السياسة والاقتصاد والطب والتقنيات، بما يجعلها تعيش معنا زمناً لا يستهان به، بل إنها قد تكون بداية هندسة نمط مختلف نسبياً من العلاقات الدولية.
فالعالم شهد في هذا العام جائحة، تفاوتت ردود الأفعال عليها بين الصراع والتعاون، وتباشير حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وانتخابات أميركية لم يسبق لها مثيل على هذا النحو الجارح والبارح، وبدء حرب سيبرانية بين روسيا وأميركا، وفق تلويح الثانية باتهام الأولى بأنها وراءها.
في مطلع العام هجم وباء كورونا بشراسة، وهو الذي إنْ كان قد تبين ظهوره في عام 2019 بالصين، لكنه في عامنا هذا استفحل واضطربت له كل الأحوال الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، تاركاً بصمات ظاهرة على جسد المجتمعات الإنسانية لا يمكن أن تُمحى بسهولة. وقد فرض الوباء نفسه على العلاقة بين الدولة والمجتمع، وعلاقة دول العالم بعضها ببعض، وفي الأخيرة برز لنا الصراع في ثوب التعاون، والتعاون في ركاب الصراع. فالرئيس الأميركي أراد توظيف الفيروس في ضرب صورة الصين والتأثير على دورها العالمي، في وقت فرض الوباء عليه أن يطلب من بكين أن تتعاون في سبيل الخروج من هذا النفق المظلم. وهي سمة تراوح عندها العلاقات الدولية دوماً، لاسيما في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها مع كورونا صارت أكثر بروزاً، بدءاً من الاشتراك في دراسة وفحص الوباء، والتعاون في الوقاية، وصولاً إلى البحث عن لقاح أنجع. لكن في كل هذه المحطات من التعاون، جاء الصراع الخفي والظاهر حول تعظيم الاستفادة المادية من حل المشكلة.
ولعل الحدث الثاني الأكبر يتعلق بالانتخابات الأميركية، فهذه هي المرة الأولى في تاريخ أميركا التي يخرج فيها رئيس متمادياً في التشكيك في نتائج الانتخابات، بل ويصف واحدة من «أرسخ الديمقراطيات الغربية» بأنها صارت دولة شمولية من العالم الثالث تُزوّر فيها الانتخابات. ورغم أن دونالد ترامب لم يقدم دليلاً دامغاً على اتهامه هذا، فإنه قد يكون بداية شكوك قطاعات شعبوية من الأميركيين في نظامهم السياسي، بما يصنع طريقاً من فقدان الثقة في نظام سياسي قدم نموذجاً للعالم، ويصنع فرصة لاستغلال هذا لدى دعاة الاستبداد في تبرير ما هم عليه، أو محاولة تمييع المواقف والمواضع والخيارات، فلا يبقى أمام الناس سوى الرضا بالمتاح من السياسة والإدارة والتنظيم.
والمسألة الثالثة تتعلق ببوادر حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة، وهي إن كانت لها مؤشراتها وإرهاصاتها في أعوام سابقة، فإن الحديث عنها استغلط واستوى على سوقه في العالم الحالي، عاكساً الخطوات العملية التي قطعتها الدولتان في هذا الاتجاه، بما يجعل 2020 بداية التبلور الحقيقي لهذا المسعى المخيف، والذي سيلقي بظلال وخيمة على العالم بأسره.
وبينما كان العام يلملم أوراقه الأخيرة، فإذا باختراق للشبكة الإلكترونية العنكبوتية الأميركية أبدت واشنطن اتهاماً مبدئياً لروسيا بأنها قد صنعته، مستغلة حالة الاضطراب السياسي الذي تعيشه الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية. وأياً كان صواب الاتهام، الذي رفضته موسكو، فإنه يؤشر لخطوة قوية على درب الحرب الإلكترونية المتوقع حدوثها، والتي ستنجم عنها خسائر مادية أكبر بكثير من نمط الحرب بالوكالة الذي كان سائداً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال أيام الحرب الباردة.