بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 واتفاقيات أوسلو عام 1993، التي أسفرت عن اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل، مقابل تسليم أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، لم تحدث في ذلك الوقت ردات فعل ساخطة من قبل الدول العربية، ودول الخليج على وجه الخصوص، ضد منظمة التحرير، بل كانت داعمةً لأي خطوة فلسطينية باتجاه السلام، بدءاً من الاعتراف بفلسطين كدولة بوصفه شرطاً باقياً حتى يومنا هذا.
اليوم، ومع الحراك العربي نحو السلام مع دولة إسرائيل، لاحظنا جميعاً حراكاً مضاداً للسلام كان بالإمكان تفهُّمه لو كان ضد السلام برمته من كافة الدول العربية عطفاً على وضع القضية الفلسطينية بالنسبة للعرب والمسلمين، ومكانة القدس الدينية والعاطفية.. إلخ. لكن المثير في الأمر أن محركات هذا الهجوم ليست دينية ولا عاطفية بريئة، بل سياسية تخضع للتنظيم الإخواني الذي هاجم دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وغض الطرف عن باقي الدول التي أبرمت اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وسيّرت الرحلات وعقدت الصفقات التجارية.. وآخرها المملكة المغربية الشقيقة التي وقعت الثلاثاء الماضي مذكرات تفاهم مع إسرائيل للتعاون في مجال التمويل والاستثمار.
اتفاقية السلام التي تمت حديثاً بين دولة إسرائيل والمملكة المغربية لم تواجَه بذات الهجوم الإعلامي على منصات «الإخوان» وكوادرهم الحزبية، بل تم تجاهلها بشكل تام من قبل «حزب النهضة» التونسي ومن حزب «الإخوان» في ليبيا ومن حزب «التجمع الوطني للإصلاح التنمية» الإخواني في موريتانيا (تواصل).. وهي كلها أحزاب هاجمت دولة الإمارات ومملكة البحرين ببيانات شديدة اللهجة. فالسلام يكون مرفوضاً ومداناً حين يصدر عن دول لا تتفق وسياسات «الإخوان»، لكنه يكون برداً وسلاماً حين يصدر من غيرها. ثمة سلام «حلال» وآخر «حرام» عند الجماعات الإخوانية حسب براغماتيتهم السياسية الانتهازية المعروفة!
جماعة «الإخوان» التي وجّهت سهامهاً للإمارات والبحرين عقب السلام مع إسرائيل، تغض الطرف عن تركيا التي قطعت أشواطاً كبيرة في التعاون والتنسيق مع تل أبيب ضمن إطار رسمي معلن منذ اعترافها بإسرائيل خلال السنة الأولى من قيامها في أربعينيات القرن الماضي، وهي تحتفظ بعلاقات تجارية واقتصادية وتعاون وثيق في مجال الصناعات العسكرية وتحتضن مصانع الأسلحة الإسرائيلية على أراضيها، فضلاً عن أن مجالها الجوي ومعسكرات جيشها تعد مسرحاً لتدريب الطيارين وتقنيي سلاح الجو الإسرائيليين.. فماذا قدّمت تركيا لفلسطين طوال هذه السنوات الصاخبة بالشعارات الجوفاء من قبل أردوغان؟ وهل مرّ على أحد منا بيان إخواني يندد بالتعاون التركي الإسرائيلي؟
يحق لأي دولة تكريس مبادئ السلام على أراضيها وضمان مصالحها الاستراتيجية مع جيرانها وفي محيطها، كما فعل المغرب من خلال اتفاقية السلام الضامنة لحقه في بسط نفوذه على الصحراء المغربية بعد اعتراف واشنطن بالصحراء كجزء من أراضي المملكة المغربية، تزامناً مع الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين المغرب وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما. وبعد أن نشر البيت الأبيض نص مرسوم ترامب، الذي قال فيه إن استقلال الصحراء المغربية ليس حلاً واقعياً، وأنه يدعم إقامة حكم ذاتي تحت مظلة مغربية، إضافة إلى فتح قنصلية لبلاده في مدينة الداخلة المغربية.
تقدم جماعة «الإخوان» نفسها دائماً بصورة المقاوم والداعم للقضية الفلسطينية، متخذةً من القضية جسرَ مرور لتنفيذ أجنداتها السياسية الشعبوية في البلاد العربية والإسلامية، حسب مصالح الدول الداعمة لها. ويبدو من خلال رصد السلوك الإخواني إزاء اتفاقيات السلام العربية الحالية مع إسرائيل أنهم ينظرون لها من منظار براغماتي انتهازي انتقائي، لذلك فـ«تطبيع عن تطبيع يفرق» بالنسبة لهم!


*كاتبة سعودية