الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ما هو الجمال ؟

ما هو الجمال ؟
24 ديسمبر 2020 00:43

سماء مرصعة بالنجوم، غروب شمس وقت الأصيل أو انسياب ألحان موسيقية ساحرة في أسماعنا، أو ربما قراءة في رواية تأخذنا لعالم آخر، كل ذلك قد يثير بداخلنا انفعالاً جمالياً، شعور واسع وإنساني عميق، يتعزز وينمو في ظروف شخصية وثقافية واجتماعية، الجمال ليس صفة خاصة بالفن، بل هو نتاج أساسي للحساسية الإنسانية، هو شعور يصعب وصفه برغم أنه يخالجنا نتيجة للأفكار والمشاهد والصور وظروف أخرى عديدة، وهو انفعال يعتمل في داخلنا قد يثيره عمل فني، منظر طبيعي أو حتى قصيدة شعرية أو أغنية، فالشعور الجمالي هو شعور بالمتعة والإعجاب، ويتحول إلى حالة من التعجب أو السعادة متى ما كان شديداً، هو إحساس سار وممتع، وقد يكون بصرياً في الأساس أو سمعياً، ثم يمتد ليشمل جسد الفرد كله، ومن الممكن أن تثيره أشياء أو أعمال لم تكن مخصصة للجمال، لكنها اكتسبت الطابع الجمالي بفضلنا نحن، لأنها انعكاس لما بداخلنا.

عبر تاريخ البشرية حار المفكرون والفلاسفة والأدباء والفنانون في تعريف «الجمال»، وتعددت تفسيراته على حسب الفلسفات والتوجهات المختلفة، فكان السؤال: ما هو الجمال؟ إنه لمن الصعوبة الاتفاق على تعريف واحد له، حيث تماثل كلمة الجمال في صعوبتها «السعادة» أو «الموهبة» و«الفن»، فتلك الكلمات تعني أشياء كثيرة ولها مدلولات متنوعة وقد تكون متناقضة أحياناً، لقد نشأ علم الجمال في أحضان الفلسفة، واستخدم كمصطلح «الاستاطيقا» لأول مرة خلال القرن الثامن عشر من خلال الفيلسوف بومجارتن، ليصبح هدف هذا العلم محاولة وصف وفهم وتفسير الظواهر الجمالية والخبرة الجمالية. 
ودائماً ما يحصل خلط بين الجمال والفن نتيجة لأسباب اجتماعية ودينية، كما حدث في بعض المجتمعات نوع من الاختزال لمفهوم الجمال، وعلى الرغم من قربهما من بعضهما بعضاً، فإن الجمال يختلف عن الفن في الأمور الحسية والوجدانية، فالجمال ليس شيئاً حسياً، بل متعلق بالأمور الوجدانية والمشاعر والأحاسيس، والفن هو إعادة خلق مكون مادي محسوس، إن كان بشكل عمل فني في صورة لوحة فنية وتمثال منحوت بدقة عالية، أو قصائد شعرية وأعمال موسيقية، ومن خلال هذا المعنى جاءت مقولة الكاتب الفرنسي أندريه جيد «إن الشيء الوحيد غير الطبيعي في العالم هو العمل الفني».
ومن أجمل الكتب العربية في التفضيل الجمالي كتاب بعنوان: دراسة في سيكولوجية التذوق الفني، من تأليف الدكتور شاكر عبدالحميد، الذي تناول الجمال ومفاهيمه، والنظريات الفلسفية التي تناولت علم الجمال، حيث أشار إلى أن الجمال كان «حجر الزاوية» في عديد من النظريات الفلسفية منذ عصور الإغريق الكلاسيكية، والعديد من الفلاسفة أصحاب النظريات المهمة هم أيضاً أصحاب إسهامات بارزة في تفسير الجمال والفن.
وفي كتاب «نقد ملكة الحكم» للفيلسوف الألماني أمانويل كانط، ناقش في جزئه الأول الأحكام العاكسة الجمالية الأربعة الممكنة: المحبوب، الجميل، السامي، والجيد. وقد كتب بأنه ليس من الممكن وضع قاعدة بموجبها يستطيع المرء أن يتعرف على جمال شيء ما، فقد وصف الجمال بأنه «قانون من دون قانون»، فالحكم على الجمال هو حكم ذاتي ومتغير من شخص إلى آخر، ولهذا لا يمكن على الحكم المتعلق بالذوق الشخصي أن يدعي الموضوعية ولا الكلية، فالأحكام غير الموضوعية لا ترتبط بمفهوم مطلق أو محدد، ومع ذلك فإن الحكم على شيء بأنه جميل يحدث مع الاعتقاد بأن الآخرين يجب أن يتفقوا مع هذا الحكم، ومن البدهي أن الكثيرين لن يفعلوا ذلك.
وفي كتاب بعنوان «عن الجمال» لإدغار موران، وهو فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي معاصر، شرح الحالات الشعرية الجمالية وهي كثيرة، وصنفها وعرّف كلاً منها، حيث بدأ بحال اللاوعي وارتباطه بحالات الإبداع والانفعالات الجمالية، ووصف الحال الشعرية بأنها ضعف في مراكز الفصل الدماغي بين الأنا واللا أنا (أنت، نحن، العالم)، فكل ما هو شعر أو حب أو انفعال وجداني هو حالة شعرية. وتطرق إلى الحال الجمالية التي عرفها بأنها انفعال شعري خاص ممتع وسعيد يثار بوساطة مشهد طبيعي أو حادثة أو سلوك إنساني أو حتى عمل فني، وأضاف حال الاندهاش، وهي حالة من الإعجاب الشديد الذي يتعزز في الانفعال الجمالي، وحال المشاركة الوجدانية حين تتوافق المشاعر والأفكار المشتركة بين مجموعة من البشر وتنسجم بشكل جماعي في مجتمع مؤقت أو دائم، ومثال على ذلك حضور حفل موسيقي لمجموعة كبيرة تتقاسم الشعور والانفعال في ذات المكان. وأضاف إلى الحالات الشعرية أيضاً حال التملك التي يكون فيها الإنسان مسكوناً بروح أخرى، أو بقوى مجهولة، أو بصورة أكثر بساطة مثل تلبس الممثل بشخصية بطل ما في مسرحية مثلاً، وحال الغشية التي ربطها بالإلهام والشعور بالنفحة الإبداعية التي تحث الفنان عبر حالات الغشية، وتحدث في حالات الإبداع الفني الخالص، وتظهر بأشكال مختلفة مثل حال التملك والتنبؤ، كما أنه تطرق إلى شرح حال التوسطية والإثارة والصوفية والقدسية.

عالمية الجمال
إن رؤية الجمال الذي لا يمكننا وصفه أبداً بالكلمات، مشهد لعمليات وتفاعلات هائلة بداخلنا تتجاوز شعورنا وفهمنا البشري، وله أوجه مختلفة في ثقافات عديدة، وهذا يأخذنا إلى فكرة أن الجمال المعترف به جمال يتعلق بمعيار ثقافي معين وبذوق خاص، ولا أدل على ذلك من اختلاف المعايير الجمالية بين الشعوب المختلفة حول العالم، فهل يوجد قانون ثابت أو نموذج مثالي أو حتى قاعدة مشتركة لكل تجليات الجمال؟ أم نحن فقط نرى الجمال كما قيل: «الجمال في عين ناظره»، أو كما أشار إليه شاعر المهجر إيليا أبو ماضي في قصيدته، فلسفة الحياة:

والّذي نفسه بغير جمال... لا يرى في الحياة شيئاً جميلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه... لا تخف أن يزول حتّى يزولا
أيّهذا الشاكي وما بك داء... كن جميلاً ترى الوجود جميلا.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©