الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الفن هو اللقاح الخارق

الفن هو اللقاح الخارق
24 ديسمبر 2020 00:43

إعداد وترجمة د. حورية الظل

دايهيونغ لي، المدير الفني السابق للجناح الكوري في بينالي البندقية لسنة 2017، والمدير الفني لعملاق السيارات الكوري هيونداي موتورز، في مقالته التالية «الفن هو اللقاح الخارق»، يتطرق إلى المستقبل المشرق الذي يمكن للفن أن يقدمه للبشرية، بعدما أرخى وباء «كورونا» بظلاله القاتمة على العالم أجمع.

نتيجة لوباء «كورونا» توقف الجدول الزمني للعولمة نتيجة إجراءات الحجر الصحي الذي تم فرضه في محاولة للقضاء على الجائحة، ويعرف تاريخياً أن الأوبئة تتسبب في إثارة مشاعر الكراهية والصراعات الاجتماعية وتشجع على الانقسامات، ولذلك فإن اختياراتنا في هذه اللحظة بالذات مهمة، هل نتخلى عن العولمة ونسير في طريق العزلة؟ أم نبني شبكة معرفية من أجل بقاء الجنس البشري؟ قد تكون هذه فرصتنا الأخيرة للسير على طريق التعايش من خلال التعاون والتضامن العالميين. لذلك يجب أن نثق في بعضنا بعضاً، وأن نعمل معاً للحفاظ على حبنا للإنسانية وعلى القيم الثقافية والإنسانية التي أنشأناها، سيتحقق ذلك بصعوبة، وسيكون للفن دور كبير في تحقيق ذلك، لقدرته على ربط القيم المتعارضة من خلال تجاوز الزمن والحدود الفاصلة بين الدول، وهذا الدور الذي يلعبه الفن يبدو الآن في هذه الظروف، أكثر أهمية من أي وقت مضى.

قيمة التخيُّـل
 وعلى الرغم من أن الفن لا يمكن أن يغير المستقبل، إلا أنه يمكن أن يغير البشر وتصوراتهم، وهم بدورهم يمكنهم التأثير على ما يحدث، بدلاً من التركيز على الأمور غير المهمة في الوقت الحالي، إن البشر مخلوقات تعرف قيمة التخيل أو تطوير العقل، ولن يتم ذلك إلا بالقوة المُثبتة للعلوم الإنسانية، بما في ذلك الفن والفلسفة، والتي تجعل البصيرة البشرية منفتحة. 
ويعد مرض «كوفيد - 19» مرضاً بيولوجياً، ولكن من ناحية أخرى، يجب ألا نغفل كيف أنه في الوقت نفسه مرض اجتماعي وسياسي، وعلى الرغم من أن الفنانين غير قادرين على إنتاج لقاح، ولكن يتوجب عليهم القيام بدور اجتماعي كامل، من خلال فنهم، أو بعبارة أخرى، من خلال توفير مناعة فلسفية وفنية قادرة على منع انهيار المجتمعات بسبب هذه الأزمة الإنسانية المشتركة، حيث يمكن أن تساعد قدرة الفن على تغذية مشاعر التعاطف بين البشر، وعلى ربط ذوي الأفكار المختلفة، وبالتالي استعادة التضامن الاجتماعي، وهذا يجعل من الضروري لنا... أن نناقش أيضاً نوع الدعم المطلوب تقديمه للمشتغلين بالفن من طرف المؤسسات والقائمين على الشأن السياسي. 
وبفضل التكنولوجيا الرقمية، تعمل موجة من المعلومات على ربط الناس ببعضهم بعضاً وأيضاً بالمدن والطبيعة وبالتكنولوجيا، عن طريق المشاعر البشرية بدلاً من الآلة، وهكذا، فإن الدور الفلسفي للفن بالنسبة للسؤال الأساسي حول كيفية إعادة تعريف هذه العلاقات، أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وبذلك، سيكون الهدف الجديد للفن هو طرح السؤال الحاسم، حول ما الذي سيحافظ على الجانب الإنساني في البشر والذي يميزهم عن الروبوتات؟ وللإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نخلق بيئة يمكن فيها للخيال الفني القادر على تجاوز الحدود أن يجتمع مع الخيال التكنولوجي القادر على رسم مستوى جديد من التعاون والتعبير، حيث يتم تجاوز الفهم البيولوجي للبشر، ليصبح الفهم الثقافي والاجتماعي والتاريخي الشامل في نهاية المطاف للمجتمع البشري هو الأهم. 

 التضامن العالمي
إن المستقبل ليس يوتوبيا، وإنما منظر طبيعي شديد الانسيابية يتغير باستمرار اعتماداً على ما نتخيله، والأمر يعتمد على أحلام وأفعال الناس الذين يعيشون الآن، ولذلك لن تجد الإنسانية الطريق الصحيح إلا من خلال ضباب المعلومات، هذا عندما يسبق التفكير الفلسفي «كيف ترى؟» التفكير في «ماذا ترى؟»، في النهاية ستكون المنافسة حول نوع الفن الذي يقود لمستقبل مشرق، ويمكن أن يظهر في بيئة تكنولوجية متغيرة، وعلاوة على ذلك، فإن نموذج التعاون المتبادل يتمثل في نموذج التضامن العالمي والتضامن من طرف الصناعات، وهذا النموذج سيسلط الضوء على أسلوب الفن القادر على الاستجابة لسرعة هذه التغيّرات، والفنانون الآن يعيشون في عصر يمكنهم من ربط تجاربهم بالتقنيات المتطورة، مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. 
لكن المتميز في الأمر، أنه في القرن الحادي والعشرين، لم تعد التكنولوجيا أداة سلبية للتعبير الفني، بل تعمل الآن كإطار فكري لفهم العالم بشكل متطور... ونتيجة لذلك، وسعت التكنولوجيا من تأثيرها إلى مستوى تحديد كيفية إنشاء الفن، وفي أي شكل يجب أن يكون، ونوع القيمة الاجتماعية التي يمكن أن ينتجها هذا الفن، ومن ناحية أخرى، يحدد الفن الموقف الذي من خلاله سيراقب البشر العالم بموقف متسامح، إلى جانب تقديم رؤى لمنع الفكر البشري من التعدي على جمالية هذا الفن ورسالته بوساطة البيانات الضخمة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي.

فهم القيم
 وبالتالي، أصبحت التغيّرات السياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية الأخيرة التي تحركها التكنولوجيا، موضوعات فنية بشكل متزايد، وتعد المشكلات المختلفة التي تواجه الجنس البشري، مثل التعايش بين البشر والطبيعة، والبشر والروبوتات، والبشر والفيروسات، والطاقة المستدامة، والنظم البيئية البحرية والبلاستيك، موضوعات بحثية ممتازة للفنانين، وجوهر ما يمكن الفنانين التطرق له اليوم، هو فهم القيم المختلفة للإنسان والمجتمعات.
إذن وبناء على ما سبق، يجب أن نكون قادرين على طرح السؤال الأساسي حول: ماذا؟ وكيف سنتناول المواضيع الفنية؟ باستخدام التكنولوجيا، أي، الحاجة إلى توليد معنى وتجارب جديدة، تتضمن الأعمال الفنية التي تحرك قلوب البشر، وهي في الغالب ترابُط بين مجموعة من القيم الخاصة بالتكنولوجيا والبشر؛ ولذلك يجب أن يكون دور الفن هو ربط الناس بما يتجاوز الزمن والحدود، وتذكيرهم، كيف يتيح الإبداع فهماً شاملاً للتواريخ والثقافات المختلفة. وبالتالي، يجب على الفن أن يُنظر باستمرار إلى دوره الاجتماعي، كما يجب أن نعيد قراءة القيم السائدة، وأن نقوم بتقييم دور وممارسات الفن في خضم هذا الواقع، هذا الفن الذي يجب أن يقدم نظرة عالمية متسامحة وقادرة على رؤية قيمة التنوع والأصوات المهمشة، إنه الفن الذي نتطلع إليه في المستقبل ولا يمكننا أن نعيش الآن إلا من خلال تعزيز التضامن بين المجتمعات، وبذلك يمكن للفن أن يوفر مستقبلاً أكثر إشراقاً للبشرية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©