تقف لهجة الإمارات العربية المتحدة كشجرة غافة على قمة شامخة عروقها ممتدة إلى جذور عميقة في اللغة العربية، وأوراقها تتسامح مع رياح المرتحلين فتستلف من هذا كلمة ومن ذاك تعبيراً، فهي بذلك في ثباتٍ دائم وحوار مستمر مع الذات والآخر. في يوم الجمعة تباعدنا فأكل كل منا في صحنه الذي أتي بتعبيرِ شخصي وفوضى عهدناها منذ حلول الجائحة فقلت لإحدى الحفيدات «طاولني مَلة الشمبريش»، فنظرت إلى توأمها وضحت قائلة: «عموة، هذي أول مرة ما أفهم فيها أي شيء قلتيه؟» فكررت لها: طاوليني المَلة القرمزية..هاي اللي عدالك«فقالت:»شو يعني طاوليني، ومَلة، وشمبريش، وقرمزية«فقلت: لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم! كم بَنُوَبِّل عِيَزنا ونحنا نرمسكم» فقالت توأمها: انزين عموة، شو يعني بَنُوَبِّل..
وفي أيام اللغة العربية فتحت لسان العرب فوجدت تعريف وبل: الْوَبْلُ وَالْوَابِلُ: الْمَطَرُ الشَّدِيدُ الضَّخْمُ الْقَطْرِ.. فَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْوَابِلِينَ الرِّجَالَ الْمَمْدُوحِينَ، يَصِفُهُمْ بِالْوَبْلِ لِسَعَةِ عَطَايَاهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ وَبْلًا بَعْدَ وَبْلٍ، فَكَانَ جَمْعًا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ قَصْدُ كثْرَةٍ وَلَا قِلَّةٍ. وَأَرْضٌ مَوْبُولَةٌ: مِنَ الْوَابِلِ. اللَّيْثُ: سَحَابٌ وَابِلٌ، وَالْمَطَرُ هُوَ الْوَبْلُ كمَا يُقَالُ وَدْقٌ وَادِقٌ. وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ: فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ السَّحَابِ فَأُبِلْنَا أَيْ مُطِرْنَا وَبْلًا، وَهُوَ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ الْقَطْرِ«، وهذه مفردة واحدة من لطف وعمق اللهجة الإماراتية في اللغة العربية، فهي مفردات لا تفارقنا وفي متناول فكرنا وأفواهنا وقد ورثناه من آبائنا وأجدادنا، فأصبحت جزءاً من الهوية والكيان. فناديت ذات العشرين عاماً بعد الغداء وقلت له:»لو قلت لك انهيي جداً خالتك وقولي لها العنز اللي بيييك أربطيها«ماذا سيحدث؟ قالت الظريفة: بتسير العزبة وبتربط العنز اللي تعيش هناك! قلت لها صح.. إلى إشعارِ آخر. وسألت شقيقتها التي جاورتنا لاحقاً نفس السؤال فقالت: بتطرش الدريول السوبرماركت يشتري حبل.. فقلت لها صح.. إلى إشعارِ آخر، أيضاً. وضحك البنات بينما كنت أبحث عن «مطرق» الشطهن به لشطتين (باردات) متساويتين لأنهن توأم ولا يجوز التفرقة بينهم في طريقة المعاملة. وسألتهن وماذا لو قلت لكن:هب هباك الله...ماذا أقصد؟ ساد صمتٌ مطبق ربما احتاج إلى عسو أو مكشة بدلاً من المطرق.
للعارفين أقول، نُصر على تأصيل المفردات الشعبية وفرض قوة اللغة العربية انطلاقاً من مقولة الباني المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيّب الله ثراه»: «من لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره أو مستقبله»، فنـحن في دولة الإمارات العربية المتحدة كما أكد لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»: «لسنا أمّةً طارئةً على التاريخ».