كان في جلسة جميلة مع من يحب في مكان راقٍ ووسط أجواء جميلة عندما طلب من النادلة قائمة الطعام، ليفاجأ بوجود صنف يحمل اسم «لكمة الفاكهة». اجتهد كثيراً قبل إدراك أن المقصود «عصير مشكل»، فقد اختصر ذلك المكان على نفسه أي جهد فلجأ لترجمات «السيد قوقل» الذي اسعفه بتلك التسمية، حاله كحال محل مشهور للتجزئة ترجم في ركن الأغذية عبارة «زيتون مع الزيت» إلى «زيتون بالنفط» أو الذي وضع «الوافدون الجدد» على ركن لبضاعة واصلة حديثاً.
صور قد تبدو مضحكة إلا أنها مؤلمة تشي بواقع تعيشه لغتنا العربية الجميلة التي احتفينا مع العالم منذ يومين بيومها العالمي الذي اعتمدته الأمم المتحدة.
رغم كل المظاهر الاحتفائية والكلمات التي أريقت اعتزازاً بالمناسبة واللغة التي كرمها الله بأن أنزل بها كتابه المبين، وجميع المبادرات التي تطلق هنا وهناك والتقارير الوردية البراقة، لا تزال مكانة لغتنا العربية اللغة الرسمية للدولة في تراجع رسمياً وشعبياً، والدليل استمرار مؤسسات حكومية ورسمية في التخاطب باللغة الإنجليزية رغم قرارات مجلس الوزراء والمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي باعتماد اللغة العربية.
أما في الأسواق وحياتنا اليومية، فمكانتها تنتهك جهاراً نهاراً، فلوحات المحال التجارية تعج بالأخطاء والكلمات غير العربية وحتى مركبات توزيع أسطوانات الغاز تدور أمام أعيننا من دون أن يستوقفنا الخطأ المكتوب عليها رغم أنها تمر على مراقبي ومفتشي جهات رسمية عدة. والسكوت عنها فاقم من حالة الجيل الجديد الضعيف أصلاً في قدراته ومهاراته في التواصل بلغة وطنه.
أفتك وأشرس طعنة غادرة وجهت للغتنا العربية في عقر دارها عندما صدقنا بأنها لا تصلح للعصر ولا للتدريس في الجامعات والمدارس، لتتراجع وتتقلص وتصبح مجرد حصص أسبوعية يتيمة في مدارسنا دون أن نتوقف أمام واقع وحقيقة أن كل المجتمعات المتقدمة علمياً وصناعياً وتقنياً في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية التدريس فيها يتم بلغاتها الأم. 
اللغة ليست مجرد حروف تنطق أو تكتب وإنما هوية أوطان؛ لذلك بعض الدول أصبحت تشدد على من يريد الإقامة فيها أن يكون قد حصل على شهادة بإجادة لغتها. وجود جمعية لحماية اللغة العربية في بلادها دليل الوضع الكارثي الذي وصلت إليه ودون تدخل حازم ملزم سنظل نغني للجميلة حتى النواح، وكل عام والجميع بخير.