فاليري جيسكار ديستان، الذي كان رئيساً للجمهورية الفرنسية من 1974 إلى 1981، رحل عن عالمنا مطلع هذا الشهر. فكيف كانت حصيلته الدبلوماسية؟ بمبادرة من جيسكار، أُنشئت «مجموعة السبعة»، التي نبعت من رغبة في تفادي أن يؤدي انكفاء الاقتصادات المتأزمة على نفسها، عقب فك ارتباط الدولار بالذهب وتضاعف أسعار النفط بأربع مرات، إلى أزمة تضاهي في خطورتها أزمة 1929. فقد فكّر حينها أنه إذا اجتمع زعماء الدول الأكثر تصنيعاً في العالم مثل أصدقاء في منزل حول مدفأة حطب، فإنهم يستطيعون التوصل لحلول وتجنب هذا الأمر. ومنذ ذلك التاريخ، تحولت «مجموعة السبعة» إلى خيمة رائعة وملتقى سنوي، وليس مجرد لقاء بسيط بين الأصدقاء. وعلى الرغم من أنها باتت تنافَس من قبل «مجموعة العشرين»، إلا أن فكرة محادثات غير رسمية كانت جيدة على كل حال. 
وبشكل عام، لا شك أن جيسكار بالغ في التعويل على قدرته على الإقناع، وعلى التأثير الذي يستطيع أن يمارسه على الآخرين. فقد أصغى إليه هيلموت شميدت ونظراؤه في «مجموعة السبعة» ولكنه أخطأ حين اعتقد أنه سيستطيع إقناع ليونيد بريجنيف في 1980 بسحب القوات السوفييتية من أفغانستان. 
وقد حاول أيضاً إطلاق حوار أوروبي-عربي بشق اقتصادي مهم بالنظر إلى الثروات الجديدة للبلدان النفطية، غير أنه كان هناك أيضاً شق سياسي مهم. إذ أراد تعزيز العلاقات مع بلدان الخليج التي كان بعضها قد حصل على استقلاله للتو وتطوير نفوذ فرنسي في منطقة كان فيها الأميركيون والبريطانيون حاضرين في كل مكان. واعتبره البعض مناوئاً لإسرائيل بحكم أنه كان وراء مبادرة «إعلان البندقية» لعام 1980، والذي اعترف بإجماع الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية الأوروبية بحق الفلسطينيين في حكم ذاتي.
وتحت رئاسته، استُقبل آية الله الخميني كلاجئ سياسي في فرنسا. جيسكار لم يكن يكنّ له الود، بل كان جد مقرب من الشاه. غير أنه في تلك الفترة، كان استقبال اللاجئين السياسيين يُمنح بشكل شبه أوتوماتيكي. كما أن استقباله جاء تلبية لطلب العراق الذي كان يريد التخلص منه والذي كان جيسكار قد بدأ معه تعاوناً مدنياً وعسكرياً مهماً للغاية. ثم إن جيسكار، شأنه في ذلك شأن شاه إيران أو زعماء العالم الآخرين، لم يكن يتخيل أن الخميني سيستطيع الإطاحة بالشاه، الذي كان يبدو في أوج قوته، ولا إقامة الحكم الديكتاتوري الذي أنشأه في ما بعد.
وفضلاً عن ذلك، لعب جيسكار دوراً مهماً في المصالحة الفرنسية- الألمانية: فإذا كان المستشار الألماني «كونراد أديناور» والرئيس الفرنسي شارل ديغول قد شكّلا أول ثنائي فرنسي- ألماني، فإن جيسكار واصل العمل بعدهما مع هيلموت شميدت. ومع أن هذا الأخير ليس من عائلته السياسية (جيسكار محافظ وشميدت من يسار الوسط)، إلا أنهم قاما معاً بإطلاق النظام النقدي الأوروبي، الذي كان مقدمة لليورو، وسرّعا البناء الأوروبي في عهد كان فيه المجتمعان الألماني والفرنسي ما زال متباعدين. 
والواقع أن البناء الأوروبي كان هو البوصلة التي يسترشد بها جيسكار. فتمكن من إقناع الأوروبيين بجعل انتخابات البرلمان الأوروبي بالاقتراع العام المباشر، اعتباراً من 1979. ولكن من على سريره بالمستشفى بعد حادث مروري، وصف جاك شيراك في ديسمبر 1978 حزب «الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية»، الذي أنشأه جيسكار، بـ«حزب الخارج»، اتهام خطير..
ولاحقاً فكر في أن «بيير جويي» و«ماري فرانس غورو»، مستشاري شيراك الرئيسيين، اغتنما فترة تلقيه العلاج في المستشفى من أجل الضغط عليه. وبعد مغادرة قصر الإيليزيه، واصل فاليري جيسكار ديستان جهده الأوروبي. غير أنه تعرض لصدمة مؤلمة أخرى بعد نتيجة استفتاء 2005 الرافضة حول «المعاهدة الدستورية الأوروبية».
* مؤسس ومدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية- باريس