الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

كارتر.. إنصاف رئيس

كارتر.. إنصاف رئيس
19 ديسمبر 2020 01:43

محمد وقيف (أبوظبي) 

يحاول المؤرخ الرئاسي الأميركي جونتان آلتر، إنصاف الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وتغيير ما يتردد بأن رئاسته كانت فاشلة، وأنه كرّس السنوات التي أعقبتها للعمل الإنساني، وتخفيف معاناة الفقراء والمستضعفين كنوع من التكفير عن ذاك الإخفاق.
يؤكد آلتر في كتاب جديد أن الحديث الرائج عن أنشطة كارتر الإنسانية والتطوعية بعد فترته الرئاسية ربما ينطوي على بعض المبالغة، لكن حجته الرئيسة هي أن كارتر «كان رئيساً مؤثّراً على نحو مفاجئ». 
أكبر نجاحاته جاءت في السياسة الخارجية، وفي مقدمتها معاهدة كامب ديفيد التاريخية، التي غيّرت الحياة في الشرق الأوسط بشكل دراماتيكي عبر رعاية اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل عقب عقود طويلة من الصراع.

اعتكف كارتر في المنتجع الرئاسي في كامب ديفيد مع أنور السادات ومناحيم بيجن طوال 13 يوماً، انتهت بانتزاعه اتفاقاً منهما، وحين وجد نفسه مضطراً لإنقاذ ذاك الجهد بعد أشهر على ذلك، سافر شخصياً إلى المنطقة بدون أي ضمانات للنجاح. كما بذل جهداً مماثلاً لإقناع الكونجرس بتمرير اتفاقات قناة بنما التي يقول عنها آلتر إنها جنّبت أميركا الوسطى حرباً كبرى. 
وتشمل إنجازات كارتر الأخرى إصلاحات بيئية مهمة، من قبيل إنشاء «الصندوق الكبير» الذي يُلزم الملوِّثين بدفع ثمن تنظيف النفايات الخطِرة، وتوسيع كبير لنظام المنتزهات الوطنية، وتحرير تاريخي لقطاعي النقل الجوي والشاحنات، وجهود مهمة لتعزيز التنوع العرقي والنوعي في القضاء الفدرالي. وعلى نحو يشي بتبصر وبعد نظر، «كان جيمي كارتر أول زعيم في العالم ينوه إلى مشكلة تغير المناخ». ثم إن تعيينه بول فولكر لترأس «الاحتياطي الفدرالي» عبّد الطريق لعهد تميز بانخفاض التضخم، لكن ليس قبل أن يفرض أسعار فائدة مرتفعة بشكل كبير خلال ولاية كارتر.

والحق أن الكتاب يغطي إخفاقات رئاسة كارتر أيضاً، وفي مقدمتها أزمة الرهائن الإيرانية. وفي هذا الصدد، كتب آلتر يقول إن «رد فعل إدارة كارتر على الأحداث في إيران كان مناقِضاً لكل الأشياء التي يتصف بها كارتر نفسه: ذلك أنه كان غير منضبط، وغير منظم، وغير مبني على معلومات كاملة». وقد أشار كارتر لاحقاً إلى أنه كان قد دقّ ناقوس الخطر مبكراً محذِّراً من عواقب السماح لشاه إيران المنفي بدخول الولايات المتحدة، إلى درجة أنه طرح السؤال على مستشاريه حول ما يوصون به في حال تعرضت السفارة الأميركية في طهران لاجتياح واحتجازٍ لموظفيها كرهائن، غير أنه حالما سُمح للشاه بدخول الولايات المتحدة من أجل تلقي العلاج الطبي، تحققت مخاوف كارتر. وعندما مُنيت محاولةٌ يائسة لإنقاذ الرهائن بعد أشهر من الاحتجاز بفشل ذريع في أبريل 1980، لم يتأخر كارتر الذي كان ممتقع الوجه في الظهور على التلفزيون ليقول للشعب الأميركي: «إنني أتحمل كامل المسؤولية». في تلك اللحظة، كانت الانتخابات الرئاسية على مسافة ستة أشهر وكانت هزيمته فيها شبه مضمونة، ليصبح بذلك أول رئيس منتخب ينحّى جانباً بعد ولاية رئاسية واحدة منذ الرئيس هربرت هوفر في الثلاثينيات. 
ولعل الفقرات الأكثر إثارةً للاهتمام في الكتاب هي تلك التي تتعقب رحلة كارتر الشخصية حول العرق. آلتر لم يجد دليلا على تطرف صريح في ماضي كارتر، لكن هذا الأخير عادة ما كان يتمكن من الإبحار عبر المياه الضحلة الخطِرة للسياسة العرقية في «الجنوب الأميركي العميق» عبر الالتفاف، حيث كان يسعى لتفاديها قدر المستطاع، لكن خلال حملته الانتخابية حين كان مرشحاً لمنصب حاكم ولاية جورجيا عام 1970، احتضن كارتر بشكل علني جاره الغربي، حاكم ولاية ألاباما جورج والاس الذي كان مؤيداً لقوانين الفصل العنصري، مشدداً على شعبويته وإيمانه بحقوق الولايات. ولهذا، فقد كانت لحظة مذهلة في تاريخ جورجيا عندما أعلن كارتر بشكل مفاجئ في خطاب تنصيبه، بعد أن أمّن فوزه، أن «زمن التمييز العنصري قد انتهى»، ثم أثبت أنه يقصد ما يقول. 
وبالنسبة لكارتر، السياسة شيء والحكم شيء آخر مختلف تماماً. الجانب السلبي لهذا الموقف هو أنه كان كثيراً ما يرفض التفاهمات والتوافقات التي تُعد بمثابة المادة الدسمة التي تشحّم نظام المصالح المتنافسة والمتعارضة. وفي هذه النقطة، يمكن أن يكون عنيداً ومعتداً بصواب موقفه، وبسبب ذلك كان كثيراً ما يدفع ثمن موقفه. لكن، ومثلما يُظهر آلتر بإقناع، فإن الجانب الإيجابي هو مسؤول منتخَب يسعى لتحقيق المصلحة العامة ما وسعه ذلك، بغض النظر عن العواقب السياسية. ذلك أن كارتر كان يؤمن بأن هناك أشياء أهم من إعادة الانتخاب.

الكتاب: جيمي كارتر.. حياة
المؤلف: جونتان آلتر
الناشر: سايمون آند شوستر
تاريخ النشر: سبتمبر 2020

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©