بينما تتعاطى الهند مع وباء كورونا وتباطؤ الاقتصاد، اندلعت مؤخراً احتجاجات للمزارعين في تحد آخر تواجهه البلاد. فقد بدأ المزارعون الهنود الاحتجاج على ثلاثة قوانين مثيرة للجدل تتعلق بالزراعة، مرّرها البرلمان في سبتمبر الماضي. ووفق الحكومة، فإن هذه القوانين تهدف إلى تشجيع الاستثمارات الخاصة في قطاع الزراعة، والذي يشكّل 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. والقوانين الثلاثة هي: «قانون تجارة منتجات المزارعين، 2020» و«اتفاق المزارعين بشأن ضمان الأسعار وقانون خدمات المزارعين، 2020» و«قانون (معدل) السلع الأساسية، 2020». 
بيد أن المزارعين، الذين يخشون إدخال تغييرات كبيرة على النظام الحالي، يقولون إن تلك القوانين تهدّد أرزاقهم. ذلك أن من شأن أكبر إصلاح زراعي أن يسمح للمزارعين بالبيع بشكل مباشر لشركات خاصة، عوضاً عن البيع عبر أسواق الجملة التي تنظمها الحكومة. ويقول المزارعون: إن الحكومة تحاول خصخصة الزراعة عبر إلغاء الوكلاء الذين يمثّلون خط الائتمان الرئيسي. ويخشى المزارعون أن تقوم الشركات الخاصة بخفض أسعار منتجاتهم. 
احتجاجات ضخمة تنظم منذ أكثر من أسبوعين. ولا شك أن احتجاجات المزارعين تمثّل متاعب إضافية لحكومة مودي، في وقت يحاول فيه هذا الأخير إعادة الاقتصاد إلى سكته ومعالجة الوباء من خلال الاستخدام المتوقع للقاح قريباً. وعلى مدى الأيام الماضية جلس المزارعون على الطرق والسكك الحديدية ونظّموا تجمعات، وسط دعم من أحزاب المعارضة والنقابات، ضمن جهد يروم ممارسة الضغط على الحكومة حتى تلغي القوانين الثلاثة المتعلقة بالزراعة التي مرّرتها. 
المزارعون، ومعظمهم مالكو أراض زراعية صغار يكافحون من أجل كسب لقمة العيش، يشعرون بأن مصيرهم قد يزداد سوءاً مع اعتماد هذه القوانين وقلقون بشأن تطبيقها. كما أنهم مرتابون جداً في الشركات الكبرى، ويشعرون بأن هذه هي الخطوة الأولى نحو تفكيك نظام تضمن فيه الحكومة حداً أدنى لأسعار حبوبهم. وحتى الآن، لم تفضِ المحادثات مع الحكومة إلى أي نتيجة، على الرغم من أن الحكومة عبّرت عن استعدادها لتعديل التشريع. لكن المزارعين يريدون إلغاءً تاماً للقوانين الجديدة. 
وفي بلد يهيمن فيه القطاع الزراعي، بحكم أن 60 في المئة من السكان يرتبطون بقطاع الزراعة بشكل مباشر أو غير مباشر، حصل المزارعون المحتجون على التعاطف والتضامن من مختلف الجهات. وتعاني الزراعة الهندية من مشاكل متعددة؛ من الفشل في رفع الإنتاجية، إلى الاعتماد على الأمطار في زراعة المحاصيل، مروراً بضعف منشآت الري، والكلفة المتزايدة لمواد مثل الأسمدة والبذور. وعلاوة على ذلك، فإن ملكية الأراضي صغيرة ومجزأة بسبب فشل المحاصيل أو انخفاض أسعار المنتجات الزراعية، مما يؤدي إلى أزمات مالية للمزارعين المثقلين بالديون أصلاً.
ووسط كل هذه المشاكل، يعتقد المزارعون أن التشريعات الجديدة المتعلقة بالزراعة لا تصب في مصلحتهم. هذا وتعهد أكثر من 15 حزباً معارضاً بدعم تحرك المزارعين، علاوة على النقابات من كل القطاعات الأخرى. وفي الأثناء، نظّم المزارعون، وخاصة في ولايتي بانجاب وهاريانا اللتين تُعدان أهم ولايتين منتجتين للحبوب، اعتصاماً خلال الأسبوعين الماضيين في عدد من نقاط الدخول إلى عاصمة البلاد دلهي. 
وبالنسبة لرئيس الوزراء مودي، فقد أتت هذه الاحتجاجات في أسوأ توقيت ممكن، بالنظر إلى أن الهند هي ثاني أكثر بلد إصابةً بوباء فيروس كورونا في العالم، بنحو 10 ملايين حالة إصابة حتى الآن. 
وفي مارس الماضي، كانت الحكومة الفدرالية قد فرضت إغلاقاً صارماً عبر البلاد، ما أدى إلى توقف تام للنشاط الاقتصادي. وانكمش الاقتصاد بنسبة 23.4 في المئة في الربع الأول من السنة الجارية. وكان الاقتصاد الهندي يواجه تباطؤاً ويعاني من تفشي البطالة، حتى قبل أن يضر وباء «كوفيد-19» بالاقتصاد. وسجّل نمو الاقتصاد الهندي أكبر انخفاض له منذ ست سنوات خلال الربع الأخير من 2019. ومع ذلك، عرضت الحكومة تعديل القوانين التي كانت وصفتها بالتاريخية، وسط جهود يائسة لنزع فتيل الأزمة. 
رئيس الوزراء مودي، والذي يقود جملة من الإصلاحات في البلاد تشمل قطاعات عديدة (بما في ذلك إدخال «ضريبة السلع والخدمات» عام 2017)، دعا في خطاب له قبل ثلاثة أيام إلى دعم الإصلاحات، قائلاً إنها ضرورية من أجل تنمية البلاد. ولا شك أن هذه الاحتجاجات لا تطرح أي خطر سياسي لمودي الذي صمد في وقت سابق أمام عدد من الاحتجاجات، مثل الاحتجاجات ضد «قانون تعديل الجنسية» الذي يمنح الجنسية على أساس الدين. غير أن المزارعين يمثّلون مجموعة ضاغطة قوية لا يرغب أي سياسي في استعدائها. وبالتالي، فالأمر يتعلق بأزمة ظاهرة للعيان بالنسبة للحكومة. 
موضوع المزارعين أثار كذلك اهتماماً دولياً، وخاصة بسبب الاحتجاجات التي نُظمت في كندا والمملكة المتحدة وأستراليا من قبل أشخاص من ولاية بنجاب يعيشون في تلك البلدان، وذلك لأن المزارعين الذين يتزعمون الاحتجاجات، ينتمون إلى تلك الولاية. والأكيد أن احتجاجات المزارعين تمثّل تحدياً حقيقياً للبلاد في وقت تكافح فيه للخروج من وباء كوفيد-19 وتتطلع إلى توزيع اللقاحات.