فرضت التطورات الأخيرة في صناعة النفط، وبالأخص بعد جائحة كوفيد-19، تغيرات عديدة في السياسات النفطية للبدان المنتجة، ستترك آثارها على مستقبل هذه الصناعة في السنوات القادمة، مما سينعكس على الأوضاع المالية والاقتصادية التي تضررت بفعل الجائحة وانخفاض أسعار النفط.
من ضمن أمور أخرى يلاحظ وجود اتجاهين أساسيين، الأول، خليجي يختص بتوثيق روابط التعاون مع الدول الرئيسية المستهلكة للنفط، وبالأخص الآسيوية منها، بهدف ضمان أسواقها التصديرية والمحافظة عليها في ظل منافسة شديدة ناجمة عن تراجع الطلب وزيادة الإنتاج، حيث يبرز من ضمن التوجهات الجديدة اتفاق بعض دول مجلس التعاون مع كبار مستهلكي النفط على تخزين كميات كبيرة في البلدان المستهلكة أو قريباً منها لاستخدامها في حالات الضرورة، إذ اتفقت الإمارات والهند على تأجير الأخيرة منشآت تخزين النفط الاستراتيجية التي تعتزم إنشاءها لشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» لاستخدامها في حالة تعطل الإمدادات. وفي الوقت نفسه قال وزير النفط الهندي إن الهند تجري محادثات مع السعودية لتخزين نفط المملكة بمنشآت «بادور» بجنوب الهند المخصص لاحتياطي النفط الاستراتيجي.
ضمن هذا الاتجاه، اتفقت كل من الكويت واليابان على تخزين النفط في صهاريج يابانية، تمنح بموجبه شركة التكرير اليابانية «اينيوس» مؤسسة البترول الكويتية حق استخدام صهاريجها، مقابل حق اليابان الحصول على أولوية المخزونات في حالة الطوارئ، حيث يعد ذلك توجهاً خليجياً استراتيجياً مهماً للحفاظ على المصالح الخليجية.
الاتجاه الآخر اتبعته كل من إيران والعراق وأنجولا وفنزويلا، ويختص ببيع النفط مقدماً من خلال الحصول على أموال نقدية تساعدها في أزماتها المالية، مقابل إمدادات نفطية طويلة الأجل.
لجوء هذه الدول إلى هذا الأسلوب يرجع أساساً إلى سوء أوضاعها المالية وتدني تصنيفها الائتماني، والذي بسببه لا تستطيع الاقتراض الخارجي أو إصدار سندات وصكوك، علماً بأن بعضها، كإيران وفنزويلا، تعاني من عقوبات اقتصادية قاسية لا تتيح لها الاقتراض، على عكس دول مجلس التعاون، التي تتمتع بتصنيفات ائتمانية عالية، وتغطي إصدارتها من أدوات الدين العام عدة مرات بفضل الإقبال القوي عليها في الأسواق الدولية. 
ويعود ذلك إلى أن دول مجلس التعاون تتصرف من منطلق صحيح، وهو أنها تتمتع بالاستقرار السياسي والاقتصادي والمالي، وبالتالي، فإن توجهاتها المستقبلية ترمي إلى تعزيز هذا الاستقرار وإيجاد تحالفات راسخة مع شركائها من كبار مستهلكي النفط، في حين يتصرف مسؤولو المجموعة الأخرى على أنهم «عابرون» لا يتمتعون بالاستقرار، مما يدفعهم إلى تحقيق أكبر مكاسب على حساب المستقبل الاقتصادي والمالي لدولهم، وهو توجه سيؤدي إلى خلق أوضاع مالية معقدة ستواجهها الحكومات المستقبلية لهذه البلدان، إذ أنها ستجد أن جزءاً من نفطها قد تم بيعه ودفع ثمنه مقدماً وعليها تلبية المستحقات النفطية تجاه المستهلكين واقتطاع ذلك من حصتها الإنتاجية، أي تصدير كميات كبيرة، مقابل عائد نقدي أقل.
في هذا الصدد، يحضرنا حادثة الأزمة المالية الأخيرة التي مرت بإحدى الدول الأوروبية والتي استقالت على إثرها الحكومة وشكلت حكومة بديلة، إذ حضر في اليوم التالي وزير المالية الجديد إلى مقر وزارته ليجد رسالة قصيرة على مكتبه من الوزير السابق تقول «No money..good luck» أي «لا توجد نقود.. حظاً سعيداً»، وهو ما سيتكرر مع الوزراء القادمين في هذه البلدان مستقبلاً!
* مستشار وخبير اقتصادي