حتى نفهم الصراعات والنزاعات التي تدور حولنا، لا بد من أن نستوعب البعد الفلسفي والأيديولوجي للعقل المقابل لنا في الطرف الآخر، وما هي منطلقات ومرتكزات التوجه العام والخاص في تلك المجتمعات، وخاصةً النخب التي تقود سياسة واقتصاد وإعلام وفكر ومعاهد ومراكز وجامعات تلك المجتمعات. 
فإن كان العالم لدى البعض لدينا مصمماً لتكون له بداية ونهاية، ولدى الآخر هو أزلي الوجود، فمن الطبيعي أن تكون تصرفاته وسلوكياته وقناعاته في كل مناحي الحياة لها أبعاد تختلف في الكم والنوع، ولذلك كانت هناك طوال التاريخ الإنساني أفكار راديكالية، بغض النظر عن الصبغة التي تلبسها تلك الأطروحات، وهي مؤثرة في مجتمعاتنا البشرية بصورة كبيرة، ويتفاوت البشر في معتقداتهم ومدى تأثيرها على حياتهم، ولذلك تؤكد نظرية ما بعد الحداثة أن الحقيقة نسبية، وليست هناك حقيقة مطلقة؛ والاعتماد المطلق على العلم والتكنولوجيا خطر كبير على الإنسانية؛ وهي حركة فكرية تقوم على العدمية وانعدام المعنى والغاية في الأشياء، ويجب الشك في كل شيء فقط من أجل الشك في حد ذاته، والإيمان بأن الإنسان لا يستطيع أن يفهم العالم من حوله بعقله، وكل إنسان له حقيقة خاصة به يقوم بسردها، وهذا منافٍ للحداثة والتي تتمركز تقريباً حول إطلاق العقل وإعطائه القيمة العليا وجعله مرجعية في ذاته للأحكام الحداثية التقليدية، والتي تجعل الإنسان وإفرازاته الفكرية ومآلاتها التاريخية هي مركز الوجود، ومن ثم تحييد وجود خالق ونصوص مقدسة وكل الأفكار الماورائية (غير المادية)، والمركزية في إصدار الأخلاق بفرمان من عقل الإنسان القادر على تفسير الكون من حوله، ولذلك تعد المفاهيم الكبرى كالحداثة «ديناً» غير سماوي، فيه المتعصبون والمعتدلون وحتى الإرهابيون.
وفي العادة، تنقسم المجتمعات إلى فئات ينادي بعضها بالانغلاق على كلية الثقافة التقليدية والقيم ورفض أي محاولة للتغيير، وفئة ثانية تنادي بتبني الجديد وتؤكد على التحول من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث، وتشجع على القضاء كلياً على البنية أو القاعدة القيمية والثقافية التقليدية للمجتمع، وفئة ثالثة تختلف تماماً عن الفئتين السابقتين، وتحبذ الدمج بين ما هو صالح للتطبيق العملي الموازي بين التكلفة والربح في طرح الفئتين، والعلاقة والتفاعل بين هذه الفئات وأفكارها عابرة للحدود وتساهم في تلاقي الأفكار وتحويلها إلى أفعال، ويمثل الشباب فئةً طاغية تتوزع بين الفئات الثلاثة، مع الميل بصورة أكبر للفئة الثانية والحديث عن المواطنة الكونية.
وبالتالي، فالاهتمام بظاهرة الحداثة وما بعد الحداثة في الوقت الراهن في عالمنا الإسلامي يواجه صعوبة تجاوز النموذج الغربي كنموذج عالمي موحد لكل المجتمعات، والوصول إلى الحداثة بناءً على الخصوصية الثقافية والقيمية، وصعوبة عدم الوقوع القصري في أحضان التطور التقني والتكنولوجي الحاصل في العالم خلال السنوات الأخيرة، وازدياد توسع وتيرة الحداثة الشكلية والجوهرية وتعاظمها، وقلة سطوة القيم والمعايير الأخلاقية كضابط ذاتي لأي مجتمع وتحول الانضباط لأمر اختياري يمثل مواقف ومعطيات أحداث حياة الأفراد واحتياجاتهم.
ومن جهة أخرى، فهذا الصراع يعدّ جزءاً أساسياً من صراع البقاء بين البشر للحصول على بيئة وموارد مستدامة، وأكثر ملاءمةً لتحقيق وتأمين احتياجاتهم وفق هرم «ماسلو»، وما تعلوه من احتياجات فكرية وروحية وفنية وتقنية إضافية تحقق بعداً آخر للإنسان المعاصر. وحتى إنْ كانت حتمية الصراع مُسلّماً بها، فإن حدته والتعايش من خلاله وتحويل مخاطره لفرص هو أمر سانح للجميع، وبطريقة يشعر الكل من خلالها بأنه رابح بدرجة أو بأخرى، وبالتالي يعد وجود ثقافة عالمية متنوعة يؤمن بها الجميع، أو يرى مصداقيتها، وتبين مخاطر وتهديدات المستقبل على الكرة الأرضية وسكانها، أمراً في غاية الأهمية، وبما في ذلك مراجعة الأنساق المكونة للثقافة في كل مجتمع إنساني.