جرت في القاهرة بالأمس الجلسة الأولى لمحاكمة محمود عزت، القائم بأعمال مرشد «الإخوان»، وهو قائد الأجنحة الإرهابية للجماعة، التي نشرت التفجيرات والاغتيالات والشر المستطير في ربوع مصر، وبخاصة بعد سقوط حكم «الإخوان» فيها.
محمود عزت هو أحد تلاميذ سيد قطب، وهو وريث النظام الخاص الذي أسسه حسن البنا بنفسه، وهو يقوم مقام عبدالرحمن السندي قائد النظام الخاص الذي عيّنه البنّا، والفرق بينهما أن السندي كان شاباً صغير السن قليل التجربة، بينما محمود عزت رجل هَرِمَ على الشرّ وشابَ على الإرهاب والقتل والدموية.
وبحسب بيان سابق لوزارة الداخلية المصرية، فهو «المسؤول عن كافة أنشطة الجماعة»، كما أنه المسؤول عن «تأسيس الجناح المسلح بالتنظيم الإخواني والمشرف على إدارة العمليات الإرهابية والتخريبية التي ارتكبها التنظيم بالبلاد عقب ثورة 30 يونيو 2013 وحتى ضبطه، والتي كان من أبرزها حادث اغتيال النائب العام في 2015، وتفجير سيارة مفخخة أمام معهد الأورام في أغسطس 2019».
طبيب يداوي الناس وهو عليل، محمود عزت طبيب يقتل الأطفال والمدنيين والنائب العام، وهو مثال لما يمكن للتوحش المؤدلج أن يصنع بالإنسان حين يلغي إنسانيته ويجعله ترساً في مكنة القتل والعنف والدمار، فهو خان الإسلام بقتل المدنيين المسالمين، وخان قَسمه الطبي بالمحافظة على أرواح الناس، ومن تعوّد الغدر والقتل أدمن عليه.
هذا العنف والقتل والدمار هو جزء أصيل من جماعة الإخوان منذ تأسيسها، ومحمود عزت أحد المنفذين والقتلة بدم باردٍ ممن تولوا هذه المسؤولية عبر عقودٍ من الزمن تتغير فيها الشخصيات ويبقى مبدأ العنف والإرهاب ثابتاً لا يتزحزح في أيديولوجية الإخوان وتنظيماتهم.
سأنقل هنا فقط تنظيرات حسن البنا مؤسس الجماعة لذلك، فهو مسكون بالتنظيمات العسكرية، ويدعو لنشر «طبع الجندية»، ويتناول بعض آيات القرآن باعتبارها «منشوراً عسكرياً»، ويرى أنّ «قوام الحياة العسكرية في أمرين، هما: النظام والطاعة» ويضيف ممجداً لرموز الطغيان والوحشية في العصر الحديث، قائلاً: «لقد عنيت بذلك الأمم الحديثة فبنت نفسها على هذه القواعد، ورأينا أساس فاشستية موسوليني ونازية هتلر وشيوعية ستالين أساساً عسكرياً بحتاً» ويضيف متحدثاً عن التجنيد العسكري والغزو: «وفي الوقت الذي يكون فيه منكم -معشر الإخوان المسلمين- ثلاثمائة كتيبةٍ قد جهّزت كل منها نفسها روحياً بالإيمان والعقيدة، وفكرياً بالعلم والثقافة، وجسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض معكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء وأغزو بكم كل عنيدٍ جبّارٍ، فإنّي فاعلٌ إن شاء الله».
هذا، فضلاً عن شيخ محمود عزت المباشر والمنظر الأكبر للإرهاب في التاريخ البشري الحديث وهو سيد قطب والذي سجن معه عزت في تنظيم 65 وبقي في السجن عشر سنواتٍ، وتردد على السجون كثيراً بعد ذلك ولم يصح له ضمير أو يرق له قلب، بل كلما امتد به العمر، زاد توحشاً وعنفاً، وفي البشر أشرارٌ يهرمون على الشر.
خرج عزت في المحكمة هزيلاً هرماً 76 عاماً ويتحدث بهدوء المجرمين عن تفاصيل المحاكمة وينكر جرائمه، ولكن هذه هي الجلسة الأولى لمحاكمته والتي ستكون وثيقة تاريخية عن أن هذه الجماعة لم تتخل عن العنف يوماً، بل هو منهجها وسبيلها وهدفها وغايتها.
التركيز الإعلامي على هذه المحاكمة يكشف للأجيال الحديثة- غير ذات الخبرة والمعرفة بهذه الجماعة -أحداثاً عايشوها بأنفسهم وقتلاً ودماراً رأوه بأنفسهم، ويعلمون الآن بالتفصيل أن الذي قام به هم جماعة «الإخوان» وقائدهم محمود عزت. أخيراً، فلكل مجرمٍ يومٌ يحاكم فيه على جرائمه، ويفضح كل مؤامراته وخططه ويحاسب عليه علناً أمام الناس وقد جاء يوم محمود عزت.