تمثل ظاهرة الميليشيات المسلحة والطائفية تهديداً للدولة الوطنية في منطقة الشرق الأوسط، ليس لأنها تتحدى السلطة المركزية في العديد من الدول، وتسعى إلى فرض رؤيتها عليها فقط، وإنما، وربما الأخطر، لارتباطها بقوى خارجية لها مشروعات وأجندات ترتبط بالهيمنة والنفوذ والتمدد الإقليمي أيضاً. 
والمتتبع لممارسات هذه الميليشيات في العديد من دول المنطقة يلحظ بوضوح طبيعة التهديد الذي لا تزال تشكله على مرتكزات الدولة الوطنية وسيادتها، فالميليشيات المسلحة والطائفية في العراق لا تزال تتحدى حكومة مصطفى الكاظمي، وترفض نزع أسلحتها والانخراط في مؤسسات الدولة، الأمنية والعسكرية. وفي ليبيا، لا تزال الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق تمثل التهديد الرئيسي للأمن والاستقرار في البلاد، خاصة أنها تحتفظ بترسانة ضخمة من الأسلحة وترفض أي محاولات لتفكيكها أو نزعها، وتستقوي في ذلك بالدعم الذي تتلقاه من تركيا التي توظفها في تعزيز نفوذها في هذا البلد. وفي سوريا لا تزال الميليشيات تمثل التهديد الرئيس لوحدة الدولة والعائق الأهم أمام حل أزمة هذا البلد وإنهاء مأساته. 
وفي لبنان، ليس هناك شك في أن ميليشيا «حزب الله» تقف وراء معظم أزمات الدولة، لأن الحزب ينظر إلى نفسه باعتباره السلطة الرئيسية، ويسعى إلى الانفراد بالقرار اللبناني، السياسي والعسكري، في تجاوز واضح لسلطة الحكومة وانتهاك صارخ لسيادة الدولة اللبنانية، وهذا كان السبب في تورط لبنان في العديد من الصراعات التي أسهمت في تفاقم معاناة الشعب اللبناني، بل إن الأزمة الخانقة التي يواجهها الاقتصاد اللبناني هذه الأيام هي نتيجة ممارسات «حزب الله» غير المسؤولة. وفي اليمن، لا تزال ميليشيات «الحوثي» الإرهابية تقف وراء تعثر جهود الحل السياسي للأزمة وتواصل إطلاق الطائرات المسيرة التي تستهدف المدن السعودية، وهذا لا ينفصل عن إيران التي توظف جماعة «الحوثي» كإحدى أوراق الضغط والمساومة في إدارة أزماتها مع دول المنطقة والعالم؛ ولعل هذا يفسر العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخراً على السفير الإيراني لدى جماعة الحوثي اليمنية حسن إيرلو، والحديث عن احتمال قيام واشنطن بتصنيف هذه الجماعة جماعة إرهابية في تحرك يستهدف ممارسة ضغوط حقيقية على ميليشيا الحوثي للتوقف عن ممارساتها العدائية والإرهابية.
هذه الممارسات العدائية من جانب الميليشيات المنتشرة في المنطقة، تؤكد بوضوح أنها تشكل التهديد الرئيسي الذي يواجه الدولة الوطنية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية، كما أنها تعد المسؤولة الأولى عن تعثر جهود تسوية معظم الأزمات الرئيسية في المنطقة، كما هي الحال في اليمن وسوريا وليبيا، لارتهانها لقوى خارجية تريد استمرار هذه الأزمات وتوظيفها كإحدى الأوراق التي تحقق مصالحها في المنطقة. ولهذا فإن التصدي لخطر هذه الميليشيات بات يشكل أولوية ملحة ليس لدول المنطقة المتضررة من ممارساتها فقط، وإنما للمجتمع الدولي كله، لأنها تشكل تهديداً للأمن والسلم الإقليمي والدولي على حد سواء أيضاً. 

مركز تريندز للبحوث والاستشارات