تمثل حرية التعبير جزءاً لا يتجزأ من الديمقراطية، وركيزة من ركائز المجتمع الديمقراطي. والمؤكد أن حق حرية التعبير يشمل الآراء الموضوعية التي قد تكون مزعجة أو حتى صادمة، طالما أن الهدف هو خير المجتمع، أفراداً وجماعات.
وفي فرنسا، يشدد الرئيس إيمانويل ماكرون دائماً على أن بلاده لا سقف فيها لحرية التعبير، وأنه سوف يدافع باستمرار عن «حرية الكتابة والتفكير والرسم»، وهو موقف مبدئي يكسِب ماكرون التعاطف، خاصة بعد العمليات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في فرنسا. 
لكن في مقابل تصريحات الرئيس ووزير داخليته عن الالتزام بالحريات، تزعم منظمة العفو الدولية أن آلاف الأشخاص يدانون سنوياً في فرنسا بتُهمة «ازدراء الموظفين العموميين»، وهي «جريمة جنائية مُعرَّفة بشكل غامض وقد طبقتها على نطاق واسع سلطات إنفاذ القانون». وفي منتصف الشهر الماضي، ناقش البرلمان الفرنسي قانوناً يُجرم تداول صور المسؤولين الفرنسيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما أدانت محكمة فرنسية رجلين بتهمة «الازدراء» لحرقهما دمية تمثّل رئيس الجمهورية خلال مسيرة احتجاجية. 
أما الآن، فهناك احتجاجات ضد مشروع قانون «الأمن الشامل» الذي يضع قيوداً على نشر صور تظهر فيها وجوه رجال الشرطة. ويرى معارضوه أنه مشروع يعزز إفلات مرتكبي العنف من أفراد الشرطة من العقاب وإزالة مصدر أدلة مهم أثناء ارتكابهم للقمع، وأنه يقوض حرية الصحافة في توثيق أعمال الشرطة، وذلك بعد ظهور لقطات فيديو لثلاثة من رجال الأمن يعاملون بشكل عنصري منتجاً موسيقياً أسود البشرة.. فيما تراه الحكومة «مشروعاً لقانون لا يعرّض للخطر حقوق وسائل الإعلام والمواطنين العاديين في الإبلاغ عن انتهاكات الشرطة.. ويهدف فقط إلى توفير الحماية لضباط الشرطة». وتضغط نقابة الشرطة الفرنسية منذ وقت طويل من أجل اعتماد قانون يحميها من الصور والفيديوهات «المسيئة» بحقها أثناء الخدمة، والتي يتداولها ناشطون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً خلال احتجاجات «السترات الصفراء» عامي 2018 و2019.

*كاتب وباحث سياسي