يفيد القانون الثالث، للعالم الفيزيائي نيوتن، على أن لكل فعل رد فعل، يكون مساوياً له في المقدار معاكساً له في الاتجاه، ولكن هل سيكون للقاعدة نصيب من رد الفعل المكافئ حين يتعلق ذلك بحل قضايا الإنسان، ومواجهة تحدياته عامةً، وتحدي توفير الأمن الغذائي، وبخاصة أن تعريفه قد انبثق بشكل أساسي من السلوك الإنساني للأفراد المتضررين من حالة انعدام الأمن الغذائي، الذي يشكل إحدى أكبر التحديات الصاعدة في النظام العالمي الجديد «ما بعد كورونا». 
ويقصد بالأمن الغذائي بحسب مؤتمر القمة العالمي للأغذية لعام 1996، بأنه «الحالة التي يتحقق فيها الحصول المادي والاقتصادي على الغذاء الكافي والآمن والمغذي لكل الناس وفي كل الأوقات بشكل يلبي احتياجاتهم الغذائية كما يناسب أذواقهم الغذائية المختلفة بما يدعم حياة نشطة وصحية»، وذلك من خلال تحقيق شروطه الرئيسة من توافر كميات الغذاء الكافية مع تحقق جودة، سواء أكان مصدرها محلياً أو مستورداً، وثانياً هو القدرة على تمكين الأفراد من الحصول على كميات الموارد الغذائية التي تشبع حاجتهم، وتكسبهم الحصول على نظام صحي غني باحتياجاتهم، وهو الشيء الذي لا يختلف عاقلان على ضرورة التعمق فيما تعنيه الكلمة من معنى، ذلك أن جودة الغذاء تنعكس بلا شك على صحة الإنسان، وكما يقول ابن خلدون عن أهل القفار باعتبار أغذيتهم تمتاز بالجودة: «أهل القفار أحسن حالاً في جسومهم وأخلاقهم من أهل التلول: ألوانهم أصفى، أبدانهم أنقى، وأشكالهم أتم وأحسن وأخلاقهم أبعد من الانحراف وأذهانهم أثقب في المعارف والإدراكات. هذا أمر تشهد له التجربة في كل جيل منهم»، معزياً ابن خلدون ذلك إلى طبيعة الغذاء، وعاداتهم فيه، فيقول: «كثرة الأغذية وكثرة الأخلاط الفاسدة والعفنة التي تولد في الجسم فضلات رديئة، ويتبع ذلك انكساف الألوان وقبح الأشكال من كثرة اللحم، وتغطي الرطوبات على الأذهان والأفكار بما يصعد إلى الدماغ من أبخرتها الرديئة فتجيء البلادة والغفلة والانحراف عن الاعتدال بالجملة»، وهذا مالا نجده عند «المتقشفين في عيشهم المقتصرين على الشعير أو الذرة، فتجد هؤلاء أحسن حالاً في عقولهم وجسومهم».
ويكمن ثالث تلك الشروط، في تلبية الاحتياج الفسيولوجي للفرد بتوفير كافة دعامات البنية التحتية، ورابعاً، المحافظة على "الثبات"، الذي يعني القدرة على مواجهة كافة الظروف الوبائية، والمناخية، والكوارث الطبيعية، دون تعرض الأمن الغذائي لانحدار أو نقص حاد فيها. 
وفي ظل ما واجهه ولا يزال العالم من تداعيات أزمة كورونا، فقد تكشفت الكثير من نقاط الضعف التي لابد من إصلاحها بنظام الأمن الغذائي في عدد كبير من الدول، والتي أثبتت هشاشة نظام الأمن الغذائي العالمي، والتي آلت لبروز الأزمة الاقتصادية، وارتفاع أسعار الكثير من السلع الغذائية، مما يعني تفاقم المشكلة الغذائية، وبالتالي ازدياد أمر الجائحة سوءاً. 
الحق في الغذاء، يعتبر أحد حقوق الإنسان الأساسية، المقر عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، والذي جاء بعد حربين عالميتين، ذاق الإنسان فيما مرارة وقسوة الظروف، تصاعد على إثرها قلق عالمي حول توفير الموارد الغذائية الأساسية واستقرار أسعارها وضمان استمرار الإمدادات الغذائية على المستويين الوطني والدولي، والتي دفعت لاحقاً لإقامة مؤتمر الغذاء العالمي سنة 1947م.

و يقول صاحب المقدمة (ابن خلدون): «إن الإنسان يمتلك ثلاث سمات تهيئ له العيش في المجتمع أولاها: الفكر أي الحاجة إلى قوة ضاغطة أو وازع، والحاجة إلى البحث عن مسائل البقاء، وثانيها: الاجتماع البشري حيث ان الإنسان لا يمكنه إلا أن يعيش في مجتمع، وثالثها: العمران الذي ينتج بالضرورة على هذا الاجتماع. وللوصول لحل شامل يسهل «مسائل البقاء»، والقدرة على وضع خطة استراتيجية تنأى بالمجتمعات الإنسانية عن الوقوع في أزمة أكبر فتقاً، لابد من دراسة العوامل المؤثرة فيه بعناية تامة، إذ تتأثر قضية الأمن الغذائي حول العالم بمعدلات الزيادة السكانية، والسكان، ومدى تلبية محاصيل الزراعة الحالية لاحتياجات المجتمع، إضافةً لقياس مستوى التطور الحاصل على المعيشة، وموائمتها والظروف الدولية وتداعياتها باعتبارها المقياس السليم لمدى ضرورة الاعتماد على الذات، أو اللجوء بالاعتماد على مصادر أخرى، بغية الوصول للتوفير الكافي للاحتياجات الغذائية، ثم توافر الموارد الطبيعية الزراعية ( الأرض، والماء)، اللذان يمثلان عصب الزراعة في العالم.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة