السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الإمارات تضع الطاقة الشمسية في محور اهتمامات العالم

نوال الحوسني
12 ديسمبر 2020 02:08

د. نوال الحوسني

منذ نشأة شمسنا قبل أكثر من 4.6 مليار سنة، واعتماد كوكبنا على طاقتها، إلا أننا اعتمدنا على ضوئها ودفئها منذ أزل التاريخ، لكننا يبدو أننا نسينا اليوم قوة وأهمية ذلك الأمر الأساسي. وحان أوان تذكره.
وجدنا مؤخراً طريقة قابلة للتطبيق، وبأسعار معقولة نسبياً لتحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء. وبهذا المعنى، تلاحق الطاقة الشمسية أشكال الطاقة الأكثر ملاءمة التي استخدمناها على مر العصور لتدفئة منازلنا، وتزويد أنظمة النقل وقطاع الصناعة بالوقود في أعقاب الثورة الصناعية، لكنها ومع تأخرها بدخول هذا المعترك، إلا أنها نجحت في اللحاق بمثيلاتها. وحان الوقت بدورنا لنتبنى نهج حياة يدور في فلك شمسنا. علينا فقط إلقاء نظرة على تاريخ عالمنا الطبيعي ومساره الحالي لفهم ضرورة ذلك. كما يدرك أي مشاهد لأحدث أفلام نتفلكس الوثائقية للسير ديفيد أتينبورو بعنوان «الحياة على كوكبنا»، يستهلك النبات يومياً 3 تريليونات كيلووات في الساعة من الطاقة الشمسية، ويبلغ ذلك ما يقارب 20 ضعف الطاقة التي نحتاجها للحياة. فلماذا نبحث في مكان آخر عن طاقتنا، بينما كل ما نحتاجه قائم بنور يأتينا كل يوم؟
تكمن الإجابة عن ذلك السؤال بضرورة مواءمة المتطلبات المالية للعالم المعولم القائم على النماذج الرأسمالية مع احتياجات الكوكب. لذا، ستصبح مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، مرغوبة وضرورية عندما تصبح منطقية من الناحية المالية للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال.
لذلك، يجب علينا إيجاد طريقة تجعل من الطاقة الشمسية عملة عالمية في حد ذاتها، سلعة يتم الاعتزاز بها وتقديرها بذات مستوى تقدير الوقود الأحفوري والمال. ولقد شهدنا ظهور ذلك النوع الجديد من العملات في شكل اعتمادات الطاقة المتجددة، وهو نظام أبصر النور بواسطة تقنيات البلوك تشين، لتبدأ القيمة الجوهرية لمصادر الطاقة المتجددة بالظهور جلياً. ولإنجاز ذلك، علينا تحويل انتباه بنوكنا وشركات الأسهم ورأس المال الاستثماري الخاصة إلى الطاقة الشمسية.
إذا لم نتبع نهجاً استباقياً في الترويج لمزايا الطاقة الشمسية للمستثمرين سنفقد المزيد من تنوعنا البيولوجي، وسيزداد مناخنا تقلباً أكثر من أي وقت مضى، وستتعرض صحتنا العامة، خصوصاً بالنسبة للمقيمين في المدن، لخطر داهم. ويعد توليد الثروة مفيداً للتنمية الاقتصادية والحراك الاجتماعي، لكن ما فائدة ذلك المال إذا هدد مصدره المستقبل الذي ندخر من أجله؟
وتتصل تلك النقطة بشكل وثيق وخاص بتقرير أيرينا الأخير، الذي نُشر في أوائل نوفمبر، والذي أظهر أن المستثمرين المؤسسيين، الذين يملكون حوالي 87 تريليون دولار من الأصول العالمية، وضعوا 2 بالمئة فقط من استثماراتهم في مصادر الطاقة المتجددة خلال عامي 2017 و2018.
فأشارت دراسة أيرينا، تحت عنوان «المشهد العالمي لتمويل الطاقة المتجددة 2020»، إلى أن الشركات الموقعة على عقود في مجال الطاقة المتجددة تشكل 6 بالمئة من إجمالي الدعم المالي للطاقة النظيفة خلال نفس العامين المذكورين سابقاً، لكن سياسات الشركات ذاتها تلتزم حالياً بشراء 17 بالمئة فقط من متطلباتها من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2050 لإبقاء ارتفاع درجة حرارة العالم أقل من درجتين مئويتين.
الزخم موجود. مؤخراً، قال رئيس بنك الاستثمار الأوروبي، فيرنر هوير، خلال قمة التمويل المشترك إن تنويع الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض «لا يتعلق فقط بالتمنيات السياسية، بل أيضاً بالاقتصاد الجيد». تعهدت بنوك التنمية العامة في العالم خلال نفس القمة بمواءمة استثماراتها مع اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، لكن لم يبدوا أن هناك أي موقف بشأن الإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفوري.
وبما أن الطاقة الشمسية جزء من المستقبل الذي نحتاج إلى بنائه والاستثمار فيه، كانت دولة الإمارات من أوائل المتبنين لها وإمكانات الطاقة الشمسية. وباحتفالنا بالذكرى 49 لاتحاد دولتنا الفتية نتذكر بأننا وفي أقل من نصف قرن فقط قد قطعنا شوطاً كبيراً في رحلتنا لإعادة الشمس إلى مركز عالمنا، مسترشدين بالاستراتيجية الوطنية للطاقة 2050، وربما لا يكون عمر بلادنا طويلاً كعمر دول متقدمة أخرى، ولكنها أضاءت بألقها هذا القطاع الحيوي من خلال عدة مشاريع متقدمة. 
مثالان عالميان في تسخير الطاقة الشمسية يجمعهما وطن واحد. في دبي مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية الذي دشنت مرحلته الثالثة قبل أيام من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» والذي يعد أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد على مستوى العالم، حيث ستبلغ قدرته الإنتاجية 5000 ميجاوات بحلول عام 2030 باستثمارات تصل إلى 50 مليار درهم إلى جانب احتضانه لأعلى برج شمسي في العالم بارتفاع 262.44 متراً. 
وفي أبوظبي مشروع الظفرة للطاقة الشمسية، والبالغة سعته 2 غيغاواط، والذي تعد تعرفته من بين الأكثر تنافسية في العالم في مجال تكلفة الطاقة الشمسية الكهروضوئية بلغت على أساس تكلفة مستوية للكهرباء 1.35 سنتاً/‏‏‏ كيلوواط في الساعة. وبعد بدء التشغيل التجاري، من المتوقع أن تسهم المحطة في خفض الانبعاثات الكربونية لإمارة أبوظبي بأكثر من 2.4 مليون طن متري سنوياً أي ما يعادل إزالة نحو 470 ألف سيارة من الطريق. تلك النماذج الوطنية ذات الريادة العالمية تؤكد لنا الرؤية المستقبلية الثاقبة للقيادة الرشيدة لبلادنا، كما لا تدع أي مجال للشك في أن الطاقة الشمسية لم تعد مجرد خيار تنافسي، بل هي أقل الوسائل تكلفةً وقطعت اليوم شوطاً طويلاً للوفاء بوعد تحول مصادر الطاقة المتجددة في النهاية إلى أكثر وسائل إنتاج الطاقة فعالية من حيث التكلفة. وفي الأيام المقبلة، بينما نعيد البناء بشكل أفضل من تداعيات جائحة كورونا، لدينا فرصة لإعادة هيكلة اقتصادات العالم بوضع الطاقة الشمسية في قلب تلك الجهود.
من المتوقع أن تصبح مصادر الطاقة المتجددة المصدر الرئيس للطاقة في العالم خلال السنوات العشرين المقبلة. وإذا اعتمدنا على العمارة الشمسية، مثل الحضارات البشرية الأولى التي وجهت مبانيها إلى الجنوب لتجميع الحرارة والضوء، يمكننا البدء في إعادة كوكبنا إلى توازنه الطبيعي. وعلى عكس أشكال الطاقة الأخرى، فإن هذا المصدر لن ينفد أبداً.

المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©