يجتهد النقاد والباحثون في الغوص في محيط الشعر لمعرفة سره وكشف غموضه وتأويل دلالاته. فلا يمجّد النقاد سوى شعر المديح لشاعر يرتكز في قوله الشعري على قضية أو تبجيل. فلا يستطيع الناقد، بحكم تداولها العام أن ينتقد. أما الباحثون في موضوع الشعر فإن عثرات بعضهم أكبر، إذ أنهم ينقبون في تربة ليست خصبة. فتربة الشعر قد تخضع للقياس العام أو للخيال ينتقي في غموضها غير القابل للتعريف، ليغاير ويبدع ما لم يؤتلف لغة ودلالة. ويبحث عن البلاغة التي يطور بها معانيه. لأن الشعر ليس بلاغة ساكنة. 
ولأن الشعر خارج أبداً على السكون فإن الشاعر «ضال» في لغة بعض المعتقدات والتعريف الاجتماعي. كما أنه عاطل في لغة الاقتصاد، ومستثنى في لغة الإعلام وتداولها السردي على مدار النشر الصحفي. الصحافة أصبحت اليوم ضد الشعر وضد الشاعر. القصائد في صفحات الصحف اليومية تنشر مكرمة وتشجيعاً ومحاباة في صفحة شهرية لها مسميات متعددة وفق خطة الصحيفة. منبر القراء مثلاً، وصفحة الإبداع، التي هي ليست إلا صفحة عاطلة لأنها دون منفعة إعلانية! تماماً مثل حال الشعراء! الدارسون ماذا يدرسون في أروقة الشعر؟ تاريخ نشوئه؟ وتأثير الشعراء (الأوائل)؟.. وتمجيد الشعراء الذين ابتلعهم النسيان في دولاب الزمن.؟ المديح إذن هو الشعر الذي يحتفى به إلى اليوم. غيره مهمل، محاصر، ومنفي من مجد الإعلام والإعلان. 
الشاعر عاطل أبدي، والشعر لا قيمة له إلا حين يوظف في ديوان المديح، أو المجتمع. ولذا يلتبس أمره وأمر الشعر في علاقتهما ببعض. وهذا الالتباس هو سر الاجتهاد الذي يخوضه النقاد والباحثون والإعلاميون. ففي كل مقابلة صحفية مع شاعر، وفي كل تناول نقدي لناقد، وفي كل بحث لدارس بغية نيل شهادة ما، أو ممارسة نشاط أكاديمي، يبدأ النقد والبحث والدراسة بالسؤال: ماهي ماهية الشعر، وما هي وظيفة الشاعر؟ الناقد والدارس والباحث يستنجد بآراء من سبقوه. وغالباً هم من محيط ثقافة أخرى، اجتهدوا في التنظير للشعر وأولوا قصائد الشعراء الاهتمام والتنقيب.
 أما الإعلاميون فإن السؤال جاهز لديهم لا يحتاج إلى كثير جهد أو قليله: ما هي وظيفة الشعر؟ أو لمن تكتب الشعر أيها الشاعر؟! ورغم أن الشعر تعبير لغوي يختزل شخصية الشاعر وكينونته فلماذا يبقى الشاعر الذي لم يوظف شعره ارتزاقاً مخفياً دائماً في أدراج النسيان؟