الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

باباوان في حـاضرة الفاتيكان

باباوان في حـاضرة الفاتيكان
11 ديسمبر 2020 02:17

إميل أمين

لم تشهد المؤسسة الكاثوليكية الرومانية عبر تاريخها الممتد لنحو ألفي سنة، وجود باباوين دفعة واحدة داخل حاضرة الفاتيكان، فقد جرى العرف أن لا ينصب بابا إلا بعد وفاة سابقة، وكان من النادر جداً أن يقدم بابا روما على تقديم استقالته.
غير أن ما يجري الآن وراء جدران الفاتيكان مثير جداً، فللمرة الأولى يجتمع باباوان في وقت واحد، وذلك بعد استقالة البابا بندكتوس السادس عشر في عام 2013، وتنصيب البابا فرنسيس في العام نفسه.
أحدث الكتب التي تناولت هذه الظاهرة مؤخراً، هو كتاب «البابا فرنسيس والبابا الفخري بندكتوس السادس عشر... كنيسة واحدة»، والذي صدر عن دار النشر الإيطالية «ريزولي».
 مقدم الكتاب هو الكاردينال بيترو بارولين رئيس الكوريا الرومانية، أي حكومة الفاتيكان أو وزارة البابا، والذي يقدم مقاربة فكرية عالية المستوى بين حبريتي خورخي بيرغوليو (البابا فرنسيس)، وجوزيف راتسينغر (البابا بندكتوس).
ويتمحور الكتاب حول الأسلوب الذي اعتمده الباباوَان على المستوى اللاهوتي والرعوي، وتنوّع أساليب التواصل والتناغم الذي يجمعهما على مستوى المشاعر والتفاهم الروحي.
ويعرض الكتاب، جنباً إلى جنب، أصوات البابا فرنسيس وسلفه بندكتوس حول بعض القضايا الرئيسية في حياة الرجال والنساء في عصرنا، ويعتبر أن إجراء مقارنات بين عقلين كبيرين يعد فرصة لإعادة توجيه الأذهان مرة جديدة جهة الإيمان والكنيسة والعائلة والصلاة والحق والعدالة والرحمة والمحبة.
ويقع الكتاب في خمسة أجزاء، وفيها يظهر التوجه الخاص بالبابوين، فنجد على سبيل المثال عند فرنسيس بابا محبوباً ومرغوباً من الفقراء حول العالم، وبالقدر نفسه نجد أنه رجل استطاع بناء جسور من المودات مع العالمين العربي والإسلامي، وتوجت هذه الجهود بأهم وثيقة في هذا الإطار، وثيقة «الأخوة الإنسانية»، التي جرى توقيعها في أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة في فبراير من عام 2019، والتي تعتبر الوثيقة الأهم إلى جانب وثيقة «في حاضرات أيامنا»، الصادرة عن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني العام 1965 في روما.
وعلى الجانب الآخر، نجد البابا الفخري (السابق) بندكتوس، أستاذ الفلسفة واللاهوتي المفكر العميق ورؤاه لأوروبا أولاً وللعالم ثانية، وهي رؤى تليق بصاحب دالة عميقة على البحث العلمي، وتجذر المعرفة عند بروفيسور وكاتب وعلامة، حتى وإن كان الحظ قد أخلف موعده معه، كما أن أحواله الصحية لم تمكنه من البقاء في كرسي البابوية لسنوات طوال.
ويحمل كتاب الكاردينال بارولين لمسات فكر يعرف عند البابا الفخري بـ«الجدة في الاستمرارية»، بمعنى أن هناك حلقات من التواصل جرت بها المقادير على مر التاريخ بين سلسلة الباباوات الذين نصبوا على عرش الفاتيكان، فعلى الرغم من الاختلاف بين السمات الشخصية لكل منهم، فإن هناك رابطاً واحداً يجمعهم، ألا وهو جدية الروح والعمل والبحث عن أطر الحقيقة لخدمتها، ومن هنا يحق قول المفكر الأميركي جورج ويجل: «إن البابوية تبقى قوة إقناع معنوية، أخلافية وأدبية».
ولا تنافس أو أحقاداً تاريخية وراء جدران الفاتيكان بين بابويين، وهذا ما يظهره الكاردينال بارولين الذي يشير إلى القرب الحميم والعميق بين فرنسيس وبندكتوس، وهو قرب يظهر في مهام كل منهما، وفي المحبة التي يكنها الواحد منهما للآخر.
ويعطي الكتاب في مجمله فكرة طيبة عن العمل الديني الخدمي وليس السلطوي، العمل الذي يجمع باباوين في زمن واحد، وبمودة قلبية متصلة وغير منفصلة.
وفي كل الأحوال حين يتم المرء قراءة هذا العمل، يخطر على ذهنه ما قاله قبل عقود المفكر الأميركي الموسوعي «ويل ديورانت» من أن المؤسسة الكاثوليكية الرومانية، من أهم المؤسسات البشرية التي عرفها التاريخ، وقد يعزى ذلك بالفعل للجدية والاستمرارية السابق الإشارة إليهما.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©