التاريخ كائن مخاتل، ومزدوج في حوارية زمانية لا نهاية لها إلا بنهاية الفكر، والفكر طاحونة هواء لا تتوقف إلا بتوقف الهواء، وهواء الفكر هي هذه الصور الخيالية، والموضوعية التي تنفصل أحياناً، وتتشابك في أحيان أخرى، ونحن بين الخيالية والموضوعية، كأجنحة ترفرف في فضاء مضطرب، وحتى يتخلص التاريخ من عقده، يحتاج إلى وثبات تتجاوز حدود العثرات، وهذه تحتاج إلى فرسان حياة، ووجود، لديهم الفراسة، والقدرة الفائقة على تحدي الرواسب، ومقارعة التراكمات، وكسر «جوزة الهند» للوصول إلى الرحيق الأبيض صافي المذاق.
في الإمارات، هناك نزعة فكرية باتت واضحة، وجلية أمام العين، هذا التفتق منبثق من وعي ذاتي، محمول على أكتاف وعي جماعي، فالإمارات منذ البدء، وهي تصبو إلى واقع غير الواقع الرابض تحت كمية هائلة من غبار السنين، الإمارات لديها من الحزم المعرفية التاريخية، ما يؤهلها لأن تستمر في الوثبات، وأن تمضي في قيادة المرحلة بكل ثقة وثبات، ومهما تبدت في الطرق من بعض الحصى وأكوام الرمل، إلا أن عربة الإمارات لديها من الفطنة ما يجعلها تمضي بقوة، وصرامة وحزم وجزم باتجاه المستقبل من دون ترهل أو تعلل، فالعقل صافٍ، والقريحة تمتلك من المبدعات ما يسهل طريقها لشق عباب البحر والسير بطمأنينة وأمان. الإمارات منذ البدء أعلنت أنها مع الوجود نجمة تضيء سماء الآخرين، وأنها مع الآخرين تسدد خطى وفاقها، واتساقها، ومع المجموع الإنساني مؤمنة بأنه لا سبيل لمكافحة تشققات القماشة العالمية إلا باتخاذ التواصل مع الآخر منهجاً وحياة، ومن يعترض هذا السبيل إنما هو كائن أعمى لا يرى أبعد من أخمص القدم.
التاريخ قذف علينا الكثير من النفايات، وهذه النفايات أصبحت كأداء في نظر الكثيرين، ولكن عندما تفكر في تفكيك هذه الشبكة العنكبوتية، تشعر بأن الكثير من مفاهيم التاريخ وأفكاره، ليست أكثر من خرافة، وقد وافقها الإنسان القديم، لفقره إلى الوعي، ولكن اليوم لم يعد مجالاً لضيق الوعي، فقنوات الاتصال مع الآخر أصبحت شاشة ملونة، ومن غير تشويش، الأمر الذي يجعل الانتصار على العقد التاريخية أسهل من القضاء على حشرة صغيرة تلوب في قاع فنجان. بالإرادة استطاعت الإمارات كسر «جوزة الهند»، والانتقال من أبجدية التأمل إلى قافية دوزنة الفكر، ومن ثم تحقيق الأمل، وإنجاز الفكرة المنشودة، هي تجاوز العقد، والدخول في البحر بقلب تسنده نياط لم يعبث بها زمن التردد.