يعتبر قانون الشركات المنظم للملكية وشديد الارتباط باستقطاب الاستثمارات الأجنبية ذا حساسية خاصة لدى المستثمرين، وذلك لأهميته الكبيرة في تطوير الأعمال، وهو ما دفع بعض القراء الكرام للدعوة لاستكمال بعض التداعيات المتوقعة للتغيرات التي طرأت على القانون في الدولة، والتي أشرنا إليها في مقالة اليوم الوطني الأسبوع الماضي.
ومع أن تداعيات هذا التغيير كبيرة ومؤثرة، فإنها بحاجة إلى دراسة شاملة لتقيمها بصورة صحيحة، إلا أننا بالإضافة إلى ما تطرقنا إليه سابقاً، يمكننا تقديم بعض الإضافات من خلال الإشارة إلى نقطتين أساسيتين، أولهما تأثر الوكيل أو الشريك المحلي والمستثمر الأجنبي على حد سواء، أما ثانيهما فيتعلق بمدى تأثير ذلك على المناطق الحرة في الدولة، والتي تتيح ملكية أجنبية كاملة منذ أكثر من ثلاثة عقود.
فيما يتعلق بالعامل الأول، فإنه بالإضافة إلى استفادة بعض الكفلاء أو الشركاء المواطنين، فقد تضرر عدد ليس بقليل منهم والذين لا يزالون يدفعون أقساطاً شهرية بسبب السفر المفاجئ للشريك الأجنبي تاركاً الكفيل يعاني من الديون الناجمة عن تحمله المسؤولية القانونية للمؤسسة المسجلة باسمه التي تركها المستثمر الأجنبي وراءه، مما يتطلب مع التعديلات التي أدخلت على القانون معالجة بعض السلبيات السابقة، كمحاولة التخفيف من الالتزامات التي يدفعها الكفلاء المواطنون السابقون، والمقدر بعضها بعشرات الملايين من الدراهم ومساعدتهم للخروج من هذا المأزق، سواء من خلال الجمعيات الخيرية أو من خلال صناديق التمويل الرسمية.
ومن أجل المزيد من الإنصاف، فقد تضرر أيضاً عدد من الشركاء الأجانب بعد أن فقدوا حصصهم في الشركات، بسبب عدم إدراجهم في سجلات التراخيص الرسمية للمؤسسات المشتركة، مما أدى إلى فقدانهم حصصهم المتفق عليها، كشركاء لعدم تمتعهم بالمستندات القانونية، وهو حالة سيتم تجاوزها مع التعديلات الجديدة.
أما فيما يتعلق بالتأثيرات السلبية التي حذر منها البعض على عمل المناطق الحرة في الدولة، والتي يبلغ عددها 45 منطقة، فإننا نعتقد أنه سوف لن تكون هناك تأثيرات ذات أهمية، وذلك للأسباب التالية، فأولاً تتمتع هذه المناطق ببنى تحتية متطورة جداً ومتكاملة لا تستدعي أي تغييرات نحو الانتقال للداخل. وثانياً، فإن قرب هذه المناطق من الموانىء والمطارات يمنحها أفضليات لوجيستسية فيما يتعلق بانتقال السلع في حالتي الاستيراد والتصدير، وهو جانب مهم لتقليل التكاليف والتمتع ببعض الأفضليات. ثالثاً على مدى السنوات الثلاثين الماضية تشكلت شبكة من المصالح المتداخلة والمتكاملة بين قطاع الأعمال في المناطق الحرة، وهو ما أوجد نوعاً من الاستقرار في أنشطتها. رابعاً وأخيراً تحولت أسواق ومناطق الدولة جميعها تقريباً إلى منطقة حرة كبيرة، مما لا يستدعي الانتقال من مكان إلى آخر، اللهم إلا إذا كانت هناك تسهيلات أو امتيازات خاصة تتعلق بتكلفة الخدمات والطاقة والبنى التحتية، وهي نقاط تسجل لصالح المناطق الحرة بشكل عام.
لذلك ستبقى المناطق الحرة تعمل بصورة طبيعية في ظل التعديلات الجديدة على القانون، بل وستتطور إلى جانب الشركات الجديدة التي ستقام داخل الدولة برؤوس أموال أجنبية كاملة، والتي ستستفيد من الخبرات المتراكمة في المناطق الحرة التي ستتكامل معها في نهاية المطاف، مما سيؤدي إلى إقامة المزيد من الشركات وتطوير الأعمال بما يخدم السياسات التنموية للدولة.
من ذلك يتضح أن المحصلة النهائية لتعديل قانون الشركات، هي إيجابية من نواح عديدة، فهي تحفظ حقوق المستثمرين وتجنب الكفلاء أو الشركاء المحليين الوقوع في مطبات والتزامات مالية، مما يعرضهم لملاحقات قانونية ويحملهم ديوناً كبيرة، وفي الوقت نفسه، تمنح هذه التعديلات الطمأنينة والثقة للمستثمر الأجنبي، وهو ما سيشجع على استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، ويتيح تعاوناً عادلاً وشفافاً ومنتجاً بين المستثمرين المواطنين والأجانب، وهو تطور إيجابي مهم لثقة ولبيئة الاستثمار في الدولة. 

* مستشار وخبير اقتصادي